هاشم عبدالعزيز

إنه الاندفاع، ولكن هل هو محسوب النتائج، أو هروب مفتوح على الهاوية؟ . . هذا ما يُثار الآن إزاء السياسات والممارسات الصهيونية لمواجهة الفشل العسكري على غزة والهزيمة الدبلوماسية في الجمعية العامة للأمم المتحدة التي صوتت لعضوية الدولة الفلسطينية في وجه الرفض الصهيوني والمعارضة الأمريكية .

ولمجرد الاستدلال هاكم عيِّنة تترجم السياسة الصهيونية بالأعمال:

في أعقاب التصويت على عضوية الدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة كان القرار الصهيوني إطلاق أحد أكبر المشروعات الاستيطانية في القدس، وأعقب هذا قرار تجميد ldquo;تل أبيبrdquo; الأموال الضرائبية المقدرة للسلطة الفلسطينية .

وفي أعقاب التهدئة على جبهة غزة كانت قوات الاحتلال تبدأ عمليات عسكرية عدوانية في الضفة الغربية، والهدف المباشر يتمثل في إخماد الانفجار الوطني المناهض للاحتلال، وللمطالبة بالحقوق المسلوبة والانتصار لغزة التي نهضت في مواجهة العدوان، برد زلزالي على الكيان الصهيوني من الخوف والذعر، وهي صدمة سوف تتداعى من قاعدة العدوان المتجذرة صهيونياً والتي زادت عن حدها ومخاطرها ترتد على هذا الكيان .

وبين هذا وذاك كان اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم وإخراجهم من بيوتهم وتشريدهم من وطنهم يتواصل، وباتت مدينة القدس مستهدفة صهيونياً لا من خلال نشر البؤر الاستيطانية فقط، بل وتفريغها من أهاليها الفلسطينيين، ومن ذلك هدم منازل أسر وجودها تاريخي ومرتبط بوجود المدينة .

لعقود من الزمن كانت هذه السياسة بجرائمها الوحشية وضد الإنسانية، وتصادمها مع المواثيق الدولية والمبادئ والقيم الدينية والإنسانية، لا تفتقد إلى الرد الرادع وحسب، بل كانت تجد دائماً التبرير والدعم والحماية أمريكياً، وجرت في أجواء الحملات الإعلامية التضليلية للرأي العام الدولي والإنساني، وفي ظل وطأة الضغوط الأمريكية التي دارت على العرب عامة، والفلسطينيين خاصة .

ويبدو أن التحالف الصهيوني الأمريكي مع أنه لم يتآكل جوهرياً من داخله وبين أطرافه، لكن استمراره وبقدر متزايد من فترة إلى أخرى من الاندفاع الأقرب للهروب إلى الأمام، ما أدى إلى ما يعده مراقبون الوصول إلى أبعد من مأزق، وأقرب إلى أزمة مرشحة للتفاقم، لا يستطيع أحد تحديد ما ستذهب إليه الأمور، لكنها في الإجمال تبقى بأضرار مباشرة ومخاطر محدقة في آن .

ولكن السؤال الآن: على ماذا يقوم هذا الطرح؟

السؤال جدي ويتيح الوقوف أمام عدد من الحقائق، وهذا من شأنه إعادة الاعتبار للقراءة السياسية العربية، وبالذات للصراع العربي الصهيوني الذي بقي يوصف ب ldquo;القراءة العمياءrdquo;، أو النظر إلى الواقع بعين الأماني والأحلام لا بعين الرؤية .

أمامنا شواهد فلسطينية ودولية عدة، وما أود أن أشير إليه ينطوي على دلالات وأبعاد عدة .

الاثنين الماضي استقبل بابا الفاتيكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والاستقبال كان غير اعتيادي، وبدت الزيارة باعتبارها الأولى خارجياً بعد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الاعتراف بالدولة الفلسطينية بصفة عضو مراقب في هذه المنظمة، أقرب إلى مناسبة لإعلان ميلاد الدولة الفلسطينية، واللافت أن إعلان الفاتيكان الاعتراف بدولة فلسطين اقترن بإدانة بابا الفاتيكان الاحتلال الصهيوني لجرائمه المتواصلة على الشعب الفلسطيني، وإعلانه أن الوقت قد حان لأن ينال الفلسطينيون حقوقهم، وأن يعيشوا بحرية واستقلال .

قبل هذا وأثناء الحرب الصهيونية على غزة التي ارتكبت خلالها قوات الاحتلال جرائم ضد الإنسانية، منها قتل المدنيين، بينهم أطفال وتدمير البيوت على رؤوس ساكنيها، أدى هذا إلى تصفية أسر بكاملها، إضافة إلى التنكيل الصهيوني بالفلسطينيين بطردهم وتقييد قدرتهم على التنقل في وطنهم، وجهت الكنائس المسيحية الرئيسة في الولايات المتحدة رسالة إلى أعضاء الكونغرس الذي أيّد قتل ldquo;إسرائيلrdquo; أطفال غزة، وفيها أكد ممثلو الكنائس المسيحية الكبرى في أمريكا أنهم ldquo;يؤيدون حل الدولتينrdquo;، وهذا ما يتردد على ألسنة أركان الإدارة الأمريكية، وبخاصة الجهات المعنية في شأن أزمة الشرق الأوسط التي استفردت بها أمريكا منذ مؤتمر مدريد للسلام، وقد أهدرت فرصاً غير قليلة، وبددت من الوقت سنين كثيرة ولسياستها القائمة على تطويع الموقف العربي لواقع الاحتلال شجعت ودعمت ldquo;إسرائيلrdquo; اتباع سياسة مناهضة للحل العادل والشامل والسلام الدائم .

في رسالتهم قال ممثلو الكنائس المسيحية الكبرى ومن خلال متابعتهم لما جرى من قبل قوات الاحتلال في عدوانها على غزة، إنهم يحثون على ldquo;تحقيق عاجل في احتمال أن تكون ldquo;إسرائيلrdquo; تنتهك قانون المساعدة الخارجية الأمريكية، وقانون تصدير السلاح الأمريكي اللذين يمنعان مساعدة أي دولة تنتهك حقوق الإنسان، وتستعمل السلاح الأمريكي في ldquo;الأمن الداخليrdquo; وrdquo;الدفاع عن النفسrdquo;، وrdquo;نحث الكونغرس على أن يدرس بدقة الموضوع ليضمن أن إجراءات الحكومة ldquo;الإسرائيليةrdquo; لا تضر باحتمالات السلامrdquo; .

ماذا يعني هذا؟

بالطبع أمام هذه المستجدات والتطورات هناك من الفلسطينيين خاصة، والعرب عامة، من لا يرى أهمية لهذا، فهم لا يقيسون موقف الفاتيكان من قوة الحقيقة، سواء جاء ذلك من دولة كبيرة أو دويلة صغيرة، كما أنهم سيتجاهلون طلب الكنائس التحقيق في الاستخدام ldquo;الإسرائيليrdquo; للأسلحة الأمريكية، ويعيدون تجاهلهم إلى أن الاستخدام ldquo;الإسرائيليrdquo; للأسلحة الأمريكية في جرائم ضد الإنسانية ليس سرياً، والنتائج التدميرية شاخصة للعيان على البشر والشجر والحجر .

لكن هؤلاء الذين يقللون من أهمية هذه التطورات لجهة خدمة القضية الفلسطينية لا يسألون أنفسهم عما يقدمون لهذه القضية بحق، ولا ينظرون إلى الغياب العربي في مواجهة القضايا، ومن ذلك التسليح الأمريكي للكيان الصهيوني المستخدم في إبادة الفلسطينيين، والموجه ضد الدول العربية كافة .