محمود منير


quot;تُشيَُّد تماثيل الزعماء من أجل أن تًُحطَّمquot;، غير أن إسقاطها لدواعي التحريم، أو في سياق quot;غزوة ناتوquot; كما حصل في بغداد وبنغازي يُضيف قيداً في ثقافتنا، ويخطف فرصة التحرر من الاستبداد مجدداً.
ذهنية التحريم المسؤولة عن تدمير التماثيل - من بوذا ووصولاً إلى جمال عبد الناصر- تحتكر الحقيقة، وتؤمن بقتل البشر في سبيلها، وبذلك تمارس القمع والإقصاء غير محتاجة إلى إقامة نُصب لرموزها.
وإزالة تمثالي صدام حسين يوم سقوط بغداد عام 2003 ، وعبد الناصر في بنغازي منذ أيام، هو قتل للأب بدعم المحتل الأجنبي، وعليه تسقط ذرائع quot;التحررquot;، وquot;تحطيم أيقونات المستبدينquot; ما دامت الحرية منقوصة، والاعتراض على زعيم ومرحلة يتم بالمعاول لا بتبادل الآراء.
وبالتجربة الملموسة فإن تحطيم تماثيل صدّام حسين لم يوقف القمع واجتثاث الآخر على يد الساسة العراقيين الجدد الذين حكموا بلادهم تحت الاحتلال الأمريكي.
وفعل التحطيم بذاته يعبّر عن شخصية هستيرية ترغب في لفت الأنظار إلى ما تقوم به، خاصة إذا اقترن ذلك بالكاميرا والصحافة لزاماً، وبالضرورة فإن هذا لا يلغي احتمالية تعرض هؤلاء الهستيريين إلى الظلم سابقاً.

من جهة أخرى، فإن المناوئين للتدخل الأجنبي في تحديد مصير الشعوب العربية، يقعون في تناقض أساسي حينما يساوون بين تمثال زعيم وبين مشروعه النهضوي، فالرؤى الكبرى لا تخلدها الحجارة إنما الكتب وإعمال العقل في تحديثها.
quot;مساواةquot; تعكس ثقافة سائدة تتشبث برمزية زعماء راحلين لمواجهة ثقافة - قيد التشكّل- تريد تهشيم هذه الرمزية وتشويهها، مدعية نشر قيم الحرية والديمقراطية بينما هي تمارس الاستبداد ذاته.
التمثال quot;المخلوعquot; يرقب جموعاً تُسقطه وتصرخ للحرية، ومن خلفهم جموع توّزع بيانات تستنكر خلعه، وبالقرب منهم أحسست براحة لأن صاحب التمثال فُك من أسره، لكن المشهد أفزعني حيث ملأت رائحة الكراهية والانتقام المكان.