معاريف

ما يجري الان في سوريا يكشف بالشكل الاكثر وضوحا الاخطاء الفكرية التي سادت عندنا حول نظام عائلة الاسد. في العقد الاخير، ولا سيما في نصفه الثاني، تبلورت عندنا مجموعة تصدرتها هيئة الاركان العامة في الجيش الاسرائيلي وجنرالات متقاعدون. واعتقدت المجموعة بان صنع السلام مع بشار الاسد هو مصلحة أمنية عليا لدولة اسرائيل. وقد رفع هو نفسه حتى درجة 'الاصلاحي'، وبسط له بساط أحمر في الغرب بفضل اسرائيل.
برأيي، ثلاثة معطيات اساسية حفزت هذه المجموعة كانت مغلوطة (وان كانت نواياها طيبة بلا شك)، وقد انهارت كمبنى من الورق في السنة الاخيرة:
الفرضية الاولى كانت ان الاسد هو شيء خاص، شخص تربى في الغرب، كل ما يرغب فيه هو ان يرفع سوريا الى خطوط الحداثة للانترنت. خطأ! الاسد لم يتعلم في الغرب (بقي هناك بضعة اشهر) بل تربى وتعلم في النظام وفي عائلة أبيه. ولكن الخطأ لا يرتبط هنا فقط بالشخصية، بل بعدم فهم جوهر النظام الذي اقامه ابوه، حافظ، في سوريا.
كان هذا نظام بني كله على اساس من الوحشية، سفك الدماء والسحق الشامل لحقوق المواطن. بهذا الفهم لم يكن هناك فارق بينه وبين نظام صدام حسين. الفارق كان في ان صدام كان فظا غليظ القلب ولم يخفِ نظام الرعب الذي اقامه. اما لدى بشار فقد جرى تمويه نظام الرعب بالابتسامات وباقمشة حرير الاصلاح المزعوم.
الفرضية الاساس الثانية كانت هي أن الحدود مع سوريا هي حدود هادئة. منذ اتفاق فصل القوات في 1974 لم يكن هناك اطلاق نار، واحترم السوريون الاتفاق بعناية؛ بمعنى أن امامنا نظاما جديا، كلمته كلمة ويمكن عقد الصفقات معه وهو سيلتزم بتعهداته. وبشكل عام، لا يوجد مثل هذا النظام في مسألة الاستقرار. إذن الى الامام، لنركض سريعا ونبلور معه تسوية. ظاهرا كل شيء صحيح، وفي نفس الوقت كل شيء غير صحيح. وذلك لان السوريين وجدوا الطريقة الافضل لتنغيص حياتنا: من خلال المبعوثين. لقد حول السوريون لبنان الى حدودهم، عبرها استخدموا الارهاب ضدنا، العمليات المضادة. كان لهم الفلسطينيون، كان لهم حزب الله. وفضلا عن ذلك، احدى مبعوثيهم كانت حماس، التي كانت قياداتها (حتى وقت اخير مضى) في دمشق. وبالطبع، محظور أن ننسى بان قرب دمشق من الحدود في هضبة الجولان كان اعتبارا في التفكير السوري منعهم من تشديد الاعمال العدوانية.
الفرضية الاساس الثالثة كانت ترتبط بعلاقات سوريا مع ايران. هذه الفرضية اعتقدت ان العلاقات بين ايران وسوريا هي علاقات 'غير طبيعية'. وذلك لماذا؟ لان العلاقة بين ايران الدينية والشيعية وبين النظام السوري العلماني هي علاقة غير طبيعية. واذا لم تكن طبيعية، فعندها سيكون من السهل نسبيا تفكيكها. ولهذا فاذا ما حصلت سوريا على هضبة الجولان، فان هناك احتمال طيب بضعف العلاقات مع ايات الله. ومرة اخرى، ظاهرا هذا صحيح، ولكن في حقيقة الامر هذا مغلوط. اولا، حافظ الاسد لم يصبح رئيسا لسوريا الا بعد أن اعتبره الامام الشيعي للبنان مسلما حنيفا؛ ثانيا، كانت هنا علاقة طبيعية بين الطائفة العلوية السائدة، التي تعتبر فرعا من الشيعة وبين النظام الشيعي الايراني. هنا ايضا النظام الاسدي حاول كل الوقت تمويه جوهره العلوي واعطاء نفسه صورة عموم سورية وطنية. ما يجري الان يكشف الحقيقة بكامل عريها.
ينبغي لنا أن نشكر ايهود باراك الذي في اللحظة الاخيرة، في كانون الثاني 2000 ، استعان بشكه بنظام الاسد، وان نشكر الرب الذي انقذنا في 2008 من 'بيع' هضبة الجولان لبشار من خلال رجب طيب اردوغان التركي. آمين.