فاطمة الصايغ

جاءت الانتحابات البرلمانية الأخيرة في الكويت، كخطوة أخرى نحو خلق واقع نسوي جديد في العالم العربي, واقع تراجعت فيه مكانة ووضع المرأة تماما، كما تراجع فيه مستوى الحريات العامة عموما، طبقا لمؤسسة quot;فريدوم هاوسquot; الأمريكية. لم يكن هذا الواقع متوقعا قبل الثورات العربية، والتي علقت عليها الآمال في إحداث تغيير جذري في الثقافة والذهنية العربية. لقد توقع الكثيرون أن يتحسن وضع المرأة وأن يتحسن مستوى الحريات العامة، ولكن العكس هو ما حصل. فقد نجحت الأوضاع العامة التي تمخضت عنها الثورات، في إحداث تراجع كبير في وضع المرأة العربية، وأفرزت لنا تلك الثورات واقعا اجتماعيا جديدا كانت المرأة العربية هي ضحيته الأولى. ورغم أن الثورات العربية قد أفرزت لنا الكثير من المتغيرات الاجتماعية الإيجابية، كإحداث تغيير في ثقافتنا الاجتماعية، وإزالة ترسبات تاريخية عديدة من الشخصية العربية، إلا أنها أفرزت لنا أيضا واقعا اجتماعيا سلبيا، في ما يختص بالمرأة في بلدان الثورات خاصة، وفي البلدان العربية عموما. قامت الثورات العربية على أساس المطالبة بالحقوق المدنية، وليس فقط بالحقوق السياسية. وشاركت فيها المرأة مشاركة إيجابية، إلا أنه حين حان وقت قطاف ثمار النصر، همشت المرأة العربية تهميشا كبيرا بحجج واهية.

ومع أن الحكومات الجديدة جاءت بانتخابات ديمقراطية من قبل الشعوب أنفسها، إلا أن نزاهة وشفافية تلك الانتخابات لم تشفع للمرأة لكي تنال حصة عادلة في مسألة صنع القرار العام. فقد أثبتت الديمقراطيات العربية أنها ديمقراطيات ذكورية، لا تعترف بحق المرأة إلا من خلف الستار. لقد أتت الانتخابات في مصر وتونس ببرلمانات غالبيتها من الرجال, أما برلمان الإمارات فقد تراجعت حصة النساء فيه من 22.5% إلى ما دون ذلك بكثير. وفي مجلس الأمة الكويتي فقدت المرأة كل مقاعدها، وأصبح المجلس ذكوريا بحتا، الأمر الذي يفتح صفحة جديدة في تاريخ نضال المرأة العربية مجددا. ما هو السبب في ذلك التراجع الكبير في نسبة التمثيل النسوي في البرلمانات العربية؟ وهل هو انعكاس لتراجع دور المرأة في الحياة العامة أم أنه نتاج لمرحلة مخاض جديدة يمر بها العالم العربي؟ وهل الضغط الغربي على المجتمعات العربية إجمالا لإشراك المرأة في الحياة العامة، له دور في ذلك التراجع كردة فعل قوية على تلك الإملاءات الغربية دون النظر إلى واقع واحتياجات المجتمع نفسه؟ لقد أفرزت الثورات العربية واقعا نسويا غريبا، لا يعكس المكانة التي وصلت لها المرأة العربية. فعوضا عن أن تنال المرأة العربية حصة أوفر من نسبة المراكز القيادية، وعوضا عن أن تصبح ركنا أسياسيا في الحكومات المنتخبة، فإن حصتها تراجعت، الأمر الذي يقدم لنا عدة مؤشرات سلبية في مجتمعاتنا.

فقد كشفت لنا الانتخابات الأخيرة عن عنصرية كبيرة تجاه المرأة، وعدم وعي بدورها المتنامي في المجتمع. كما كشفت لنا الانتخابات عن تهميش مقصود انعكس على نسبة تمثيل المرأة في المجالس العامة والبرلمانات المنتخبة، تحت أعذار وحجج واهية، وأحيانا تحت غطاء الدين أو القدرات والمؤهلات، وهو الأمر الذي جعل مؤيدى حقوق المرأة يتباكون على أطلال أنظمة الحكم السابقة، والتي أعطت المرأة بعضا من حقوقها، إرضاء للمجتمع تارة وذرا للرماد في العيون تارة أخرى. هذا الوضع جعل المقارنة بين ثورات القرن الحادي والعشرين وثورات القرن الماضي، تحمل الكثير من الظلم لصالح القرن الماضي. وعلى الرغم مما أحدثته ثورات القرن الحادي والعشرين من تغيرات إيجابية في الذهنية العربية، إلا أنها لم تقف بحزم في وجه مناهضي حقوق المرأة، ربما للتأثير الديني على تلك التيارات. وربما ردة فعل ضد دعاة التغريب. لقد شهدت الثورات العربية مشاركة إيجابية وبروزا قويا للمرأة، تمثل في خروجها للميادين العامة، ليس للمطالبة بالمساواة وحقوقها النسوية، ولكن للمطالبة بحقوقها المدنية, تلك الحقوق المتمثلة في الحرية والعدالة الاجتماعية ورفض الاستبداد، والرغبة في إقامة نظام ديمقراطي عادل يحترم حقوق الإنسان. تلك لا شك كانت مطالب المرأة، كما كانت مطالب الرجل. لقد وقفت المرأة تطالب بحقوق مواطنة كاملة، وليس بحقوق جزئية أو نسوية فقط. وهو الأمر الذي لفت لها الانتباه. وكان من المنتظر أن يزداد دورها قوة في أعقاب الإطاحة بالنظم السابقة وخلق مناخ ديمقراطي جديد، كما كان من المتوقع أن يتضاعف وجودها في أماكن صنع القرار السياسي، وأن تحظى بما لم تحظ به من قبل. ولكن الواقع الذي ظهر، خيب ظن المرأة تماما، كما خيب ظن الكثيرمن المتتبعين للحراك النسوي. فالمرأة التي شاركت بفعالية، سواء في تلك الثورات أو في الحياة العامة، لم تحظ بما توقعته من وضع يتماشى مع نضالها ومكانتها والمرتبة التي وصلت إليها, بل انعكست الأوضاع الجديدة سلبا على المرأة التي تراجعت حصتها، ليس فقط في البلدان التي شهدت الثورات، بل حتى في البلدان التي لم تشهدها.

فقد تقلصت نسبة تمثيل المرأة في الحياة العامة، بذرائع وأسباب واهية ومعتقدات بالية وترسبات دينية وتاريخية غير منطقية. وعلى الرغم من القول بأن السيطرة في تلك الانتخابات كانت للأحزاب الدينية، التي تحمل معتقدات تحول دون وصول المرأة وتقلدها لمناصب قيادية، إلا أن مثل هذا الوضع مردود عليه. فالإسلام لم يقف يوما في وجه تقدم المرأة، بل خلصها من الاضطهاد والقهر، وهيأ لها أرضية قوية تنطلق منها إلى أعلى المراتب. والغريب في الأمر، هو العقلية التي سادت بين النساء وكأنهن رضين بهذا الواقع المؤلم، ولم يعترضن عليه. هذا الأمر برمته إن أستمر وتجذر، فإنه إيذان ببدء مرحلة جديدة في تاريخ المرأة العربية, مرحلة تخطتها أمها وجدتها من قبل. فهل هو إيذان بحلول عهد جديد تتراجع فيه مكانة المرأة؟ أم هي مرحلة مؤقتة تقفز بعدها المرأة العربية إلى واقع جديد تستحقه؟