شهادة من سجون الاسد...ضرب بالقضبان وتعرية.. شبح ودولاب

لندن

بعد خمسة ايام، في الحجز فيما وصفه بانه كفن حديدي استطاع جولان (28 عاما) ان يأكل بيضة قذرة وهو مقيد اليدين والرجلين. وظل طوال الخمسة ايام الاولى على هذه الحالة بعد ان اعتقله 30 من رجال الامن حيث كان ينتظر اصدقاءه في منتزه للتحضير للمشاركة في التظاهرات في دمشق. ويعد جولان ـ وهذا ليس اسمه الحقيقي - واحدا من الالاف من المعتقلين في سجون النظام السوري ممن اعتقلوا بسبب نشاطاتهم السياسية ومشاركتهم في التظاهرات، حيث يزج النظام بهم في السجون في محاولة منه لقمع الانتفاضة. وقدم جولان شهادته لصحيفة 'اندبندنت اون صاندي' حول التعذيب الذي لقيه على ايدي امن النظام اثناء 21 يوما قضاها في جلسات التحقيق. ومع انه من غير الممكن التأكد من صحة روايته الا ان منظمة 'هيومن راتيس ووتش' اكدت ان اساليب التعذيب التي وصفها معروفة وعامة وموثقة في شهادات معتقلين اخرين. فقد جمعت المنظمة الدولية شهادات من مئة معتقل سجنهم النظام منذ بداية الانتفاضة قبل عام تقريبا وقدموا قصصا مروعة بما فيها قصص فتيان لا يتجاوزون الثالثة عشرة من العمر ممن سجنوا لاتهامهم بنشاطات، كما جمعت شهادات عن وفيات في السجون السورية. ويقول جولان انه قضى 7 ايام فيما اسماه الصندوق الحديدي، والتي كانت بداية سلسلة من الاهانات والتعذيب، ونقل فيما بعد الى غرفة صغيرة لا يتجاوز علو سقفها المتر وقضى فيها سبعة ايام. وبعد اسبوعين بدأ المحققون معه جلسات التحقيق، حيث كانت كل جلسة تحقيق تستغرق 8 ساعات وكانوا يسألونه عن معلومات تفصيلية، فقد كانوا يريدون معلومات عن لجان التنسيق، وكيف تعمل، وكيف يقوم افرادها بنقل الجرحى من مكان لاخر. ويقول جولان انه رفض الاجابة عن اسئلتهم مما كان يعني تعذيبا ومعاناة. فقد كان كل ليلة يضرب بقضبان حديدية 50 مرة، وعندما لم ينفع الضرب استخدموا معه اسلوب 'الدولاب' حيث يتم وضع عجلة حول رأس السجين واخرى حول قدميه، وبعدها يجبر على النوم على ظهره ويضرب على قدميه، كما علقوه بسلك بلاستيكي من السقف. ويقول جولان ان عينيه ظلتا معصوبتين حيث نزعت العصابة عنه في اليوم الـ 45. وعندما فتح عينيه يقول جولان انه شاهد فتاتين اعتقلتا في تظاهرة عاريتين ومعصوبة عيناهما، وفي تلك اللحظة يقول 'بدأت بالبكاء'. وبعدها اخذ لغرفة التعذيب، وقيل له ان لم يعترف فسيتم جر امه واخته من البيت ويحصل لهما ما حصل للفتاتين وسيتم ايضا تعذيبهما امام ناظريه. وتقول الصحيفة ان الامم المتحدة تتحدث عن 'التعذيب النفسي والذي يشمل التهديد بانتهاكهم وعائلاتهم جنسيا'. ولما رفض التكلم وضجر منه المحققون قرروا نقله لسجن للمدنيين وهو سجن 'عدرا' في دمشق. وقضى الاشهر التي تلت اعتقاله في مكان قذر حيث كان يتم استدعاؤه يوميا ويقف امام محكمة كي يجيب على سلسلة من الاتهامات، والتي تشمل الهجوم على الدولة والتشجيع على اثارة المشاكل بين الاقليات والمشاركة في التظاهرات بدون اذن، وانشاء مستشفى ميداني. ويقول ان المحققين سمحوا له بتعيين محام لكن شهاداته لم تستمتع اليها المحكمة. ويزعم جولان ان ما انقذه هو ضغوط من مؤسسة دولية لحقوق الانسان وعندها تم الافراج عنه في كانون الاول (ديسمبر) وبغرامة الف ليرة سورية. ومنذ اطلاق سراحه واصل نشاطه وينتقل من بيت الى بيت لجمع الدعم وتشجيع الاخرين على الانضمام للمتظاهرين. ويزعم جولان ان السلطات الامنية اخبرت عمه انه ان لم 'يوقف جولان نشاطاته فستوضع رصاصة في رأسه'، وبعدها اغلق هاتفه النقال واختفى لعشرة ايام. وتنقل الصحيفة عن مسؤول في منظمة 'هيومن رايتس' ان غرف التعذيب في السجون السورية تنتمي الى العصور الوسطى، حيث يعتقد المسؤولون الامنيون انه بممارسة اساليب التعذيب فانهم سيخيفون السكان، ولكن اساليب التعذيب لم تؤد الا الى زيادة غضب وتصميم السوريين.

ومع قصص التعذيب ينقل اللاجئون السوريون الهاربون الى الاردن قصصا عن تصاعد العنف والقمع ضد المدنيين، وذلك حسب الصحيفة. فقد ادى تواصل قصف حمص والقمع في درعا الى تزايد تدفق الجرحى على الاردن، فقد وصلت خلال اليومين الماضيين 170 عائلة. هذا اضافة الى 25 الف لاجىء في الدول المجاورة و70 الف مشرد داخل سورية. وحسب احصائيات الامم المتحدة فقد قتل حتى الآن 5400 شخص منذ بداية الانتفاضة في شهر اذار(مارس) الماضي. ولا يقتصر الهروب من العنف على السنة بل ابناء الطائفة العلوية التي ينتمي اليها الرئيس بشار الاسد. ففي تقرير لصحيفة 'اندبندنت' يوم السبب فان ابناء الطائفة بدأوا يهربون من بيوتهم ويختبأون خوفا من عمليات انتقامية ضدهم، فيما اصبحت الكثير من المناطق في مدينة حمص تحت سيطرة قوات المعارضة حسبما تقول. وينقل عن مندوبة مبيعات علوية اسمها وفاء احمد، رأيها فيما يحدث في المدينة من قصف منذ اكثر من عشرة ايام، فقالت وهي تبكي وبغضب ان 'ان كنت قاتلا فيجب ان تقتل، اما انا وانت، الامر يتعلق بالوجود، اما حياتك او حياتي'. وتقول الصحيفة ان الخوف هو ما يشعر به العلويون والمسيحيون، فهم خائفون من عمليات انتقامية ان سقط النظام كما حدث في مصر مصر بعد سقوط نظام حسني مبارك على حد تعبير الصحيفة، وما حدث في ليبيا مع الموالين لنظام، خاصة ان الداعمين لنظام الاسد سيواجهون مصيرا كهذا او اسوأ حالة انهيار نظامه، فالميليشيات المسلحة في ليبيا تلاحق من بقي من الموالين وتعتقلهم وتعذبهم او تقتلهم. وتظل الحالة السورية مختلفة واكثر تعقيدا نظرا للتنوع الديني والطائفي، سنة وعلويين وارمن واكرادا ودروزا، فالسنة يشكلون نسبة 70 بالمئة من السكان وظلوا طوال الاربعين عاما الماضية مهمشين عن الحياة السياسية ـ ينظرون بعين الغضب الى الطائفة العلوية التي لا تشكل الا سوى 12 بالمئة من عدد السكان، فيما يخشى المسيحيون من تصاعد الاسلاميين، خاصة ان تنظيم القاعدة دخل على الخط اخيرا. ففي الوقت الذي تحاول فيه فصائل المعارضة الحفاظ على الطابع العلماني للثورة الا ان عملية العسكرة ودخول العناصر السلفية اليها ودعوات زعيم تنظيم القاعدة ايمن الظواهري ابناء تنظيمه لدعم 'الاخوة' في سورية تثير من مخاوفهم. وفي نفس الوقت فان قطاعا من السنة يشعر بالغضب من العلويين الذين لا يزالون يدعمون النظام والذي يرتكب مجازر ضد ابناء الغالبية. وتنقل الصحيفة عن ناشط مسيحي في المعارضة قوله ان 'الطائفية موجودة في المجتمع السوري والنظام هو الذي قام ويقوم بادارة اللعبة'. وتنقل عن وفاء احمد، مندوبة المبيعات من حمص ان المضايقات بدأت قبل ستة اشهر عندما تم لصق تحذير على باب بيتها في الحي الذي تعيش فيه الغالبية السنية وفيها 'عليك المغادرة او الموت'. وعليه قامت وعائلتها المكونة من 7 ابناء كبار وخمسة اطفال بالانتقال الى حي تعيش فيه غالبية ارمنية. وتقول ان معظم جيرانها العلويين فعلوا نفس الامر. وتنقل عن مسيحي قوله ان المسيحيين يدعمون بشار الاسد لانه كان جيدا معهم، فالحكومة لم تفرض عليهم دفع فواتير الكهرباء والماء في الكنائس والمساجد. وعلى الرغم من اقوال بعض ابناء الاقليات من ان النظام متسامح مع جميع الطوائف الا ان مهندسا في دمشق قال ان هناك ميلا لتصوير 'الاسد بانه حامي الاقليات ولكن في الحقيقة فهو لا يحمي الا نفسه'.