مصطفى زين


جاء انعقاد مؤتمر laquo;أصدقاء سوريةraquo; في تونس، رداً على الفشل في إصدار قرار من مجلس الأمن يتبنى خطة لتنحي الأسد وتغيير النظام، بسبب الفيتو الروسي -الصيني المزدوج. في هذا المعنى هو بديل للمجلس، ودعم لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة التي دانت النظام وتبنت المبادرة العربية، اي أنه تصعيد للضغط السياسي والعسكري من خلال قرارات الشق السياسي منها مكتوب والشق العسكري سري جرى الاتفاق عليه وبدأ تطبيقه قبل المؤتمر.

تسليح المعارضة ليس مطلباً جديداً، رفعه المتظاهرون ودعا إليه قادة في laquo;المجلس الوطنيraquo; منذ شهور، ولبى بعض الأطراف هذا المطلب، على الأقل تجار اسلحة لديهم ارتباطات بجهات سياسية مناهضة للنظام. مسألة السلاح لم تعد مهمة بعد تدفقه بكثافة إلى الداخل السوري. المهم تغطيته بقرار سياسي.

ولربما كانت الولايات المتحدة وراء عدم اتخاذ هذا القرار لأنها لم تستطع، وحلفاؤها معها، توحيد المعارضة وإعطاءها هوية تضمن ألا يحصل في سورية ما حصل في ليبيا بعد سقوط القذافي، فقد تحدى رئيس اركان الجيوش الأميركية الجنرال مارتن ديمسي laquo;أياً كان أن يحدد بوضوح هوية المعارضة السوريةraquo;. وقال: laquo;لدي معلومات تفيد بأن القاعدة متورطة مع المعارضة. هناك اطراف عدة تتدخل (في الأحداث) وكل طرف يحاول تعزيز موقعهraquo;.

الحيرة الأميركية لا تعني أن واشنطن لا تعرف مكونات laquo;المجلس الوطنيraquo; وتوجهاته، فقد خاض المسؤولون الأميركيون، وفي مقدمهم وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، محادثات مطولة مع laquo;المجلسraquo;، وأخرى منفردة مع بعض الرموز ومع laquo;الإخوان المسلمينraquo;، حتى لا نقول ان الاستخبارات تعرف تاريخ كل شخص في هذه المعارضة. وهي لم تكن في حاجة إلى خطاب أيمن الظواهري كي تعرف أن التنظيم موجود في سورية. مدير الاستخبارات الوطنية جيمس كلابر أكد ما جاء في رسالة خليفة بن لادن إلى إخوانه. قال كلابر أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ: laquo;إن التفجيرات التي شهدتها دمشق وحلب تحمل بصمات القاعدة، ولذلك نعتقد بأن التنظيم في العراق مد نشاطه الى سوريةraquo;. وأشار إلى laquo;اختراق متطرفين جماعات المعارضة المشرذمةraquo;.

وجود laquo;القاعدةraquo; في سورية لن يمنع واشنطن من مواصلة العمل لإسقاط النظام، وهي تسعى إلى توحيد المعارضة كي laquo;تنضجraquo; وتصبح في مستوى تسلم الحكم في بلد مهم مثل سورية. في هذا الإطار (إنضاج المعارضة) نستطيع وضع القرارات التي قدمت إلى مجلس الأمن والجمعية العامة ومؤتمر تونس. وستقدم إلى مؤتمرات أخرى مقبلة.

والأمر لا يقتصر على هذا الحراك وحده، فأمام الإدارة الأميركية خطة أو خريطة طريق لخصها الباحث في laquo;معهد الشرق الأوسط لسياسات الشرق الأدنىraquo; جيفري وايت (غالباً ما تأخذ الإدارة بدراسات هذا المعهد الذي أسسته laquo;إيباكraquo;). نصح وايت الإدارة باعتماد laquo;التدخل غير المباشرraquo;، تدخل يشمل دعم laquo;المقاومة المسلحة لتضطلع بالتخريب والحرب، والعمل السياسي والمقاومة المدنية، وهي اساليب تعتمدها المعارضة الآن. لكن ينقصها التنسيق والتدريب والدعم الكافي وهذه مهمة الولايات المتحدةraquo;. ويطالب واشنطن بـ laquo;تأسيس قوات مقاتلة وتزويدها أسلحة وتدريبها وبناء مقاومة مدنية تضطلع بالعصيان وتوسيع رقعة التظاهراتraquo;.

يعود وايت في تقريره إلى تجارب سابقة للولايات المتحدة في دعم وتسليح متمردين ومتابعة تحركهم وتطورهم عن قرب كي لا يشذوا عن المخطط السياسي المرسوم، وكي يبقوا مخلصين لمن يحتضنهم. وإذا حصل ذلك، أي الدعم العسكري غير المباشر، ربما عبر طرف ثالث مخلص للطرفين ينتفي القلق والخوف من سيطرة laquo;متطرفينraquo; على الحراك وعلى الوضع بعد سقوط النظام، ففي هذه الحال تكون واشنطن الطرف الأساسي في تشكيل النظام الجديد.

خطة وايت تقليدية يعرفها كل متابع للسياسة الأميركية، ووصفته لحرب العصابات يعرفها المبتدئون في هذا laquo;العلمraquo;. وقد بدأ تطبيقها عملياً في سورية منذ شهور، لكنها وصفة مفيدة جداً لمن يريد أن يطلع على التوجهات الأميركية في ما يتعلق بسورية وبالمعارضة وبتطور الأمور في المستقبل القريب.