محمد بن عبد اللطيف ال الشيخ
تذكّرت المثل العربي الذي يقول: (اتق غضبة الحليم إذا غضب)، وأنا أتابع الجمعة الماضية الموقف الصارم والغاضب والشجاع الذي اتخذه الأمير سعود الفيصل في مؤتمر أصدقاء الشعب السوري في تونس. فلم يعد على ما يبدو أمام الدبلوماسية السعودية التي عُرفت برصانتها وهدوئها وصبرها إلا أن تقف مثل هذا الموقف، وقد وصل النظام في قتله لشعبه مرحلة لم يعرفها تاريخ المنطقة منذ المغول. أحياء حمص تُقصف بالصواريخ، وتَدكُّ البيوت على رؤوس ساكنيها، وشلال الدم يتزايد تدفقاً دون أن يهتم هذا النظام الدموي بكل من حوله، عرباً وغير عرب، مسلمين وغير مسلمين؛ فقد ورث الابن عن أبيه شغفه بالدم، وحبه المفرط لسحق الشعوب، والحكم بالحديد والنار؛ فهو يعي أن بقاءه لا يمكن أن يتحقّق إلا على الجثث، وأهرام من جماجم القتلى، تماماً مثل ما فعل أبوه وعمه في أهل حماة عندما انتفضت قبل ثلاثين سنة.
لا حل إلا بتسليح المعارضة، وتبني الجيش السوري الحر.
فالعالم الغربي على وجه الخصوص ليس هناك ما يدعوه إلى التدخل العسكري وحماية المدنيين كما كان الأمر في ليبيا النفط؛ فليس في سوريا إلا زيت الزيتون والزعتر، فضلاً عن أنها تحرس حدود إسرائيل بما فيها الجولان المحتل، والنظام يقوم بمهمته خير قيام. كما أن روسيا والصين لن تقبلا بالتدخل العسكري الغربي؛ ربما أن روسيا يمكن (شراءها) فقد عوّدتنا الدبلوماسية الروسية أن مواقفها تُباع وتُشترى، فمن يدفع أكثر ستذهب معه الفاتنة الروسية؛ غير أن الصين لديها أجندة أخرى إستراتيجية؛ فهي تستعد لأن ترث الغرب وقوة الغرب ونفوذ الغرب في العالم، لذلك فتمدد الغرب في المنطقة خط أحمر بالنسبة للصين على ما يبدو، ولا قيمة لشراء روسيا إذا لم يُضمن الفيتو الصيني في مجلس الأمن.
ولا أرى أمامنا من خيار لإنقاذ الشعب السوري من براثن هذه الوحوش الدموية المفترسة إلا دعم وتسليح الجيش السوري الحر؛ فالنظام لن يرعوي عن جرائمه، ولن يوقف القتل، وسيذهب في إبادة شعبه إلى آخر مدى، وكل الحلول التي يضعها على الطاولة ليست سوى تكتيك لكسب الوقت. وآلاف القتلى والجرحى والمفقودين لا يمكن أن تذهب دماؤهم سدى. والانتفاضة والمنتفضون مستمرون حتى والنظام يمطرهم بالصواريخ والقنابل وقذائف الهاون. ومرور سنة كاملة على إصرارهم على إسقاط الأسد ورحيل النظام دليلٌ على أن مواقفهم لا تقبل المساومة، والأزمة لا نراها تتراجع وإنما تتسع، والتداعيات تتفاقم، فصلاً عن أن الليرة السورية ستنهار ولن تصمد أكثر، الأمر الذي يجعل الاقتصاد عنصراً آخر يقف في مصلحة الثوار وليس النظام؛ كل ذلك يجعل النظام يضعف وينهك ويفقد أدوات قمعه يوماً بعد آخر وهو في طريقه للانهيار. كما أنه يسعى بوضوح إلى تقسيم البلد إذا لم تفلح حلوله القمعية؛ فهو خياره الأخير وليس ثمة خيار غيره لينجو ويُنجي معه أركان نظامه؛ لذلك كله فإن تسليح ودعم الجيش السوري الحر هو أفضل الخيارات السيئة، إذ ليس هناك خيار آخر غير هذا الخيار.
المهم أن يقتنع الأتراك بفكرة دعم الجيش الحر؛ فموافقة الأتراك شرط ضرورة لا يمكن أن يتم هذا الدعم إلا بموافقتهم؛ فالأردن لا يمكن أن يتحمّل ردة فعل السوريين فيما لو تم دعم الجيش الحر من خلاله، ولبنان محتل من قِبل حزب الله وخيال مآتتهم نجيب ميقاتي؛ أما الرئيس ميشيل سليمان فلم يأت إلا بموافقة السوريين؛ لذلك فليس ثمة حدود يمكن منها دعم هذا الجيش وإدخال السلاح إليه إلا الحدود التركية السورية.
أعرف أن كثيرين، سوريين وغير سوريين، يتحفظون على هذا الحل؛ ولكن هل هناك حلٌ آخر؟
التعليقات