عبد الرحمن الراشد
عيبا التعميم أنه مضلل وظالم، وفي الحالة التونسية لا نعرف - على وجه الدقة - الموقف الشعبي للشارع التونسي حيال ما يحدث في سوريا، سوى أصوات تؤيد نظام الأسد. ونعرف أن في تونس مواقف متناقضة تعبر عن النظام السياسي التعددي الجديد؛ فهو من جهة أول بلد طرد السفير السوري، وتبنى الرئيس منصف المرزوقي لغة قوية ضد النظام السوري، لكن لم يرقَ ذلك الموقف إلى مستوى تأييد إنقاذ الشعب السوري، بتبني مواقف دولية حمائية، بل كل التصريحات تقول عكس ذلك.
وعلى الرصيف المقابل لمقر انعقاد مؤتمر ما سمي laquo;أصدقاء سورياraquo; في تونس، قبل أيام، احتشد مئات المتظاهرين التونسيين الذين رفعوا لافتات متعاطفة مع نظام الجزار بشار الأسد!
لكن قبل التساؤل عن سر حب البعض التونسيين لنظام بشار، من حقكم أن تسألوا: ما الذي يهم إن ساندت تونس النظام أو عارضته، فهي ليست بالدولة الحدودية مع سوريا، ولا بالدولة المحورية الإقليمية التي لها قوات أو نفوذ يؤثران على ما يحدث في سوريا، ولا تملك حق laquo;الفيتوraquo; في مجلس الأمن؟
لا شيء من هذا أو ذاك، إنما هي محاولة لفهم الضمير التونسي، وتحليل للرأي العام الذي هو يتشابه في هذه المسألة مع بعض دول المغرب العربي، مثل الجزائر. عكس ذلك تماما، في المشرق العربي هناك تعاطف شعبي هائل مع معاناة الشعب السوري، تبلغ مرحلة التنادي لنجدته بكل السبل، بما في ذلك الدعوة للجهاد. والصورة واضحة في ذهنية أهل دول المشرق العربي، يرون نظاما ينفذ مذبحة ممنهجة في وجه مظاهرات سلمية. أما في تونس، وربما الجزائر، فإنهم يرون سوريا تواجه مؤامرة إمبريالية تمهد لاحتلالها، وكل ما يقال عن المظاهرات والقمع مجرد laquo;بروباغنداraquo;! وهذا الشعور عند بعض قطاع المثقفين المغاربيين الذين يقودون الرأي العام مستوحى من تجربته التاريخية، ومسكون بالخوف والشك في أوروبا والغرب عموما. وهذا ما جعل المنظر غريبا ومتناقضا أن يوجد تونسيون مباشرة بعد نجاح ثورتهم على نظام بن علي يرفضون حق الشعب الليبي الثائر في الاستنجاد بحلف laquo;الناتوraquo;.
الوضع في ليبيا، وكذلك سوريا، مختلف تماما عن التجربتين التونسية والمصرية؛ فالجيش حسم الوضع في تونس ومصر لصالح الشعب، أما في ليبيا وسوريا فإن النظام هو الجيش والأمن، ويقوم بعمليات قتل واسعة. ومن الظلم ذلك الموقف الذي تبناه البعض في تونس والجزائر وغيرهما بانتقاد الثوار الليبيين بحجة أنهم يستعينون بالأجنبي؛ فقد كان القذافي يملك قوة مدمرة هائلة، ويستعين بقوات مرتزقة، ويأتيه مدد هائل من الأسلحة الحديثة لقمع مئات آلاف من الناس، وبه قتل خلقا كبيرا من دون تمييز. والأمر نفسه يتكرر في سوريا. لقد انتصر التونسيون في 20 يوما، أما في سوريا فإن الشعب ينزف منذ أكثر من ثلاثمائة يوم ولا يزال.
لقد عرف العالم حق التدخل في الحالات القصوى وقبل به، ونحن نرى بأم أعيننا أن في سوريا تنفذ إبادة هدفها القمع من أجل السيطرة الكاملة. من الظلم محاسبة الضحية عندما يطلب العون من العالم؛ ففي ليبيا كان هناك حاكم مجنون عقليا لم يكن يتردد في القتل والسجن لأتفه الأسباب على مدى أربعة عقود، ولم تكن هناك من وسيلة لمواجهته غير طلب الدعم الدولي. وفي سوريا لا يوجد حاكم مجنون، بل نظام شرس يحكم بأساليب إجرامية لا مثيل لها في العالم العربي. فكيف يمكن أن يحمي الناس أنفسهم وأحياءهم في مواجهة غير متكافئة؟
ولا ننسى أن التدخل الدولي كان مطلب العرب والمسلمين لإنقاذ أهالي كوسوفو والبوسنة، ولولاه لأُبيد المسلمون على أيدي الصرب المتطرفين. التدخل مبرر في حالات الإبادة، كما نرى في سوريا، إضافة إلى أنه الوسيلة الوحيدة لمنع الحرب الأهلية وتفكيك البلاد بغطاء شرعي دولي. وهو ليس بالجديد؛ ففرنسا لم يحررها الجنرال ديغول وحده، بل لولا الحلفاء من بريطانيين وأميركيين وغيرهم، ربما ما تحررت من الاحتلال النازي.
على أي حال، ليس الموقف الشعبي، في أي دولة عربية كانت، هو الذي سيغير مسار الوضع الداخلي في سوريا؛ لأن الشعب السوري هو الذي سيقرر في النهاية، لكن لا أحد يريد مزيدا من القتل، وكلنا نخاف على وحدة سوريا، وعلاقات أهلها وطوائفها ببعضهم البعض. كل ما يريده السوريون أن يتفهم العالم قصتهم، لا أن ينساق إلى دعاية النظام وأصدقائه، التي تزعم أنها حرب ضد متطرفين وإرهابيين، وأن هناك مخططا دوليا لتبرير احتلال البلاد.
القصة باختصار أن النظام ينفذ حملة إبادة وعلى العالم أن يقرر في أي صف يقف.
التعليقات