laquo;عكاظraquo; تفتش عن ربع قرن في المأوى بين إيران وسورية

موفد laquo;عكاظraquo; إلى العراق (محمد طالب الأحمدي)

القارئ لتاريخ العراق، قديمه وحديثه، يدرك حقا أن الانقلابات العسكرية شكلت ظاهرة في تكوين مراحل هذا التاريخ، وأن الظروف السياسية حتمت على أن يكون مصير العراقيين تحت زعامة وسطوة قائد هذا الانقلاب، بداية من استيلاء العراق على يد أقدم الأقوام السامية التي تعرف بـ laquo;الأكاديينraquo; قبل ما يزيد على 4360 عاما، ونهاية بنوري المالكي الذي يرأس حكومة العراق الآن. إذ أخفى التاريخ قصة محاولة نوري المالكي الانقلاب على حزب البعث بعد إسقاط إمبراطورية صدام حسين، وبات التاريخ ذاته مستغرقا في سرد الانقلابات على عهد المملكة العراقية وقيام الحكم الجمهوري على يد عبد الكريم قاسم، والذي ما لبث سوى خمسة أعوام حتى تم الانقلاب على حكمه، وإعدامه بالرصاص أمام الشعب من قبل شريكه في الثورة عبد السلام عارف، وبعد أن تمكن شقيقه عبد الرحمن عارف من الحكم عامين جرى إقصاؤه وترحيله من بغداد على يد حزب البعث.

لكن البعض يرى أن خطة المالكي العسكرية في الانقلاب على البعث لم تنجح، فوجد نفسه لائذا بالفرار من مشنقة صدام نحو إيران وسورية.
وخلال وجودي في العراق الأسبوع الماضي استنطقت مصادر مقربة من المالكي وتقصيت حادثة هروبه من العراق، ووقفت على أطلال بيته العتيق في بلدة طويريج في محافظة كربلاء.
رسخ لدى رئيس الوزراء نوري المالكي مبدأ المعارضة والثورات والانقلابات كونه ينتمي لأسرة لها باع مديد في هذا الشأن، فقد اشتهر جده الشاعر محمد حسن أبو المحاسن وذاع صيته في الثورة العراقية ضد الاحتلال البريطاني، حيث عين نائبا عن كربلاء في مجلس الثورة، واستمر في دعمها عامين منذ سنة 1919م، إلى أن جرى اعتقاله على يد القوات البريطانية سنة 1920م وسجنه في طويريج (الهندية) حتى تم إعفاء الثوار وإطلاق سراحهم في مستهل مبايعة الشريف فيصل ملكا على العراق، كأول ملك في حقبة الملكية.


المالكي حزبيا


استهل نوري المالكي فصلا جديدا في حياته، بإعلان توجهاته وانضمامه إلى حزب الدعوة الإسلامية سنة 1970م، وبدأ يخوض صراعا مع حزب البعث الذي يتزعمه آنذاك صدام حسين، فتم اعتقاله ومطاردته غير مرة، إلى أن صدر بحقه أمر صارم بإعدامه في عام 1979م، فقرر الهروب من العراق عبر أقرب منفذ حدودي، فاتجه نحو سورية.


ساعة بين الحياة والموت


ساعة واحدة كانت فاصلة بين حياة المالكي وموته، إذ يروي لـ laquo;عكاظraquo; أحد المقربين له ويدعى عمار المالكي قصة الهروب وتفاصيل النجاة من الإعدام، حيث لم يكن أمام نوري من خيار سوى الهروب؛ إما إلى إيران أو إلى سورية، فاختار سورية لعلاقات اجتماعية تربطه بها هناك، فغادر عبر المنفذ الحدودي رسميا.
وبعد ساعة جرى تعميم اسم laquo;نوري كامل المالكيraquo; على كافة المنافذ البرية والجوية بمنعه من السفر والقبض عليه، وتوجيهه إلى بغداد لإعدامه، فوردت إفادة من المنفذ الذي خرج من خلاله بأن laquo;نوري غادر العراق قبل ساعةraquo;.


الحياة بين إيران وسورية


مكث المالكي في سورية ثلاثة أعوام حتى سنة 1982م، وانتقل بعدها للحياة في إيران، وبعد سنوات عاد إلى سورية مرة أخرى، حيث أشرف على إصدار صحيفة laquo;الموقفraquo; التي كانت تصدر من العاصمة دمشق، وأصبح عضوا في قيادة حزب الدعوة، ومسؤولا عن تنظيمات الداخل طيلة فترة وجوده خارج العراق، وكان يتابع تشكيلات الحزب ومناسباته، وظل مهاجرا في سورية حتى سقوط نظام صدام حسين سنة 2003م.


العودة إلى العراق


وبعد 24 عاما من التشرد والتنقل بين سورية وإيران عاد المالكي إلى العراق، بمجرد أن شاهد سقوط نظام صدام حسين، فعقد مؤتمرات عدة لمعارضة حزب البعث، وشارك فيها بمداخلات وآراء حاول عبرها كسب النفوذ سياسيا وفكريا.
الهجوم على السلطة
بدأت أولى خطوات دخول نوري إلى السلطة بتعيينه عضوا مناوبا في مجلس الحكم الانتقالي الذي تشكل تحت إشراف أمريكي، فتدرج للوصول إلى منصب نائب رئيس المجلس الوطني المؤقت، فأسهم في تأسيس كتلة الائتلاف العراقي الموحد، وعين الناطق الرسمي باسمها، حتى تم ترشحيه لرئاسة لجنة الأمن والدفاع في الجمعية الوطنية، والمشاركة في لجنة صياغة الدستور العراقي.
وانتخب بعد ذلك لتشكيل أول حكومة عراقية منتخبة في شهر مايو (آيار) 2006م.
laquo;عكاظraquo; في طويريج
ضمن جولتي في أرجاء العراق، طلبت من عمار المالكي أن يوقفني على بلدة نوري، وبيته الذي غادره هربا من مشنقة صدام، فدخلنا البلدة التي تبعد 75 كيلومترا عن بغداد، وكان الجو ماطرا، فهتف أبناؤها عندما شاهدوني حاملا الكاميرا laquo;هني صورةraquo; أي هنا التقط لنا صورة، لكن بيني وبينهم شط طويل، فسألت عن اسمه، فقال عمار laquo;هذا شط الهندية، وهو أحد فروع نهر الفراتraquo;.
وعندما وصلنا بيت المالكي الذي يميزه توسط نخلة فارعة الطول، روى لي عمار قصة اعتقاله والحكم بإعدامه وهروبه، مكتفيا بتعليل ذلك بـ laquo;دموية صدامraquo;، وقال إن هروب نوري كلف أسرتنا الشيء الكثير، فقد استنزفت أرواح 65 شهيدا بسببه.


وسألته عن أصل تسمية طويريج فقال اسمها أساسا الهندية، وأما تسميتها طويريج فهو إنجليزي laquo;two way reachraquo; أي طريقان يؤديان إليها ، وهذان الطريقان من كربلاء ومن الحلة، وكلا الطريقين مسافتهما واحدة تبلغ 25 كيلومترا.