شمسان بن عبد الله المناعي


فرضت المتغيرات الإقليمية والدولية الجديدة، التي طرأت على بعض الدول العربية، واقعا جديدا على منظومة دول مجلس التعاون الخليجي، مما جعلها تنتقل إلى مرحلة نوعية جديدة من العمل تمثل في الدور الإقليمي السياسي الذي أخذت تضطلع به، بعد أن كان دورها منحصرا في ترتيب البيت الداخلي وحل مشكلاتها الحدودية، ذلك لأن هذه المتغيرات والأحداث التي طرأت على العالم العربي كان لها انعكاساتها على الوضع في بعض دول مجلس التعاون الخليجي، وخاصة ما جرى في البحرين والسعودية والكويت، وتحدد بداية هذا الدور الجديد لدول مجلس التعاون الخليجي منذ وقوفها مع مملكة البحرين أثناء أحداث 14 فبراير (شباط) 2011، الذي تمثل في إرسال قوات درع الجزيرة للوقوف ضد المحاولة الانقلابية الفاشلة التي قام بها حزب الله البحريني (جمعية الوفاق البحرينية)، والتي تم التخطيط لها من قبل إيران وحزب الله اللبناني، والتي كانت تنتظر الظرف السياسي المناسب، ولو قدر لهذه المحاولة النجاح لاكتمل الهلال الشيعي الإيراني الذي هو حلم إيران في المنطقة، وامتد هذا المخطط، حيث شمل حركة التمرد التي قام بها بعض الشيعة الموالين لإيران في القطيف بالمملكة العربية السعودية، وتبعها ما حدث في الكويت عندما قام البعض من الشيعة هناك بمحاولة تأزيم الموقف في كل من البحرين والسعودية.

هذا المشهد السياسي فرض ضرورة قيام دول مجلس التعاون بدور لا يحتمل التأجيل، وهو الدور الإقليمي السياسي الذي ما زالت إرهاصاته باقية إلى اليوم، وهو الذي جعل الدبلوماسية الخليجية تنجح في حلحلة الوضع في قضيتين رئيسيتين أثبتت من خلالهما ظهور منظومة مجلس التعاون الخليجي كقوة لا يستهان بها، وهما قضيتا اليمن وسوريا، حيث استطاعت هذه الدول الوصول إلى حل توافقي بين الحكومة والمعارضة، والانتقال السلمي للسلطة، والثانية ما قامت به من دور فعال في إصدار قرارات الجامعة العربية حول ثورة الشعب السوري، وما زالت تسلك موقفا موحدا في هذه القضية.

لم تعد منظومة دول مجلس التعاون هي تلك المنظومة من الدول التي تدفع وتمول، إنما أصبحت منظومة سياسية تؤخذ في عين الاعتبار من قبل العالم، ولذلك جاءت دعوة الملك عبد الله بن عبد العزيز في الجلسة الافتتاحية لاجتماع مجلس التعاون الخليجي لفكرة الاتحاد الخليجي، لكي تعبر عن هذا الدور الجديد، وأصبحت هذه الفكرة قضية حتمية ومطلبا شعبيا خليجيا لا يحتمل التأجيل ولا بديل عنه، خاصة في ظل تزايد الصراع في المنطقة واتضاح نوايا الدور الإيراني الذي بدأ مرحلة التنفيذ لمخططه، عندما أشعل الوضع في البحرين، فقبل أن laquo;يستفرد الذئب بالغنمraquo;، على هذه الدول الخليجية أن تدرك أن عالم اليوم ليس بعالم الدول الصغيرة، إنما هو عالم التجمعات والاتحادات الدولية، وإذا كان هذا الإدراك جاء متأخرا، فإنه يجب ألا يمنع المضي في تطبيقه، حيث أصبحت فكرة الاتحاد الخليجي ضرورة حتمية، وإلا فإن المخطط الإيراني سوف يكون البديل. إن طموحات إيران لا تنحصر في البحرين فقط، وإنما تمتد لتشمل دول الساحل الخليجي، خاصة بعد أن وجدت لها موطئ قدم في العراق.

ومن الضروريات التي تجعل فكرة هذا الاتحاد الخليجي أمرا حتميا لا مفر منه، هو أن أميركا ودول الغرب لم يعد يهمها إلا ما يحقق مصالحها، وهذا ما عبر عنه قائد شرطة دبي، ضاحي خلفان، في مؤتمر الأمن الخليجي الذي عقد في البحرين، عندما قال: laquo;إن أميركا ليس لها صديق في العالم، إنما لها مصالحraquo;.. وتابع قائلا: laquo;إن من جملة التهديدات التي تواجه أمن مجلس التعاون لدول الخليج العربية، الأطماع الإيرانية في الخليج، تأجيج النزاعات والخلافات الطائفية، عدم تجريم أفعال الكراهية، عدم سيادة القانون، الفساد المالي والإداري، عدم وجود ضمان اجتماعي، ضعف الانتماء الوطني، وفقدان الولاءraquo;. كما أكد خلفان أن laquo;الاتحاد لدول الخليج العربي غاية في الأهميةraquo;، كما أن laquo;السنوات الخمس المقبلة، ربما تكون سنوات (مخاض) على مستوى الأمن الخليجي من الناحية السياسيةraquo;.

علينا أن نقر بأن منظومة دول مجلس التعاون لم ترتقِ بعد إلى ما ينشده المواطن الخليجي. لقد شغل المجلس جل وقته في الفترة السابقة في حل النزاعات الحدودية التي خلفها الاستعمار، وعلى الرغم من أن المجلس قد مر على إنشائه 30 عاما، فإن قراراته ما زالت تسير مثل سير السلحفاة، مما جعل المجلس أمام التحديات المعاصرة التي تواجهه الآن في سرعة من أمره، وإن كنا لا نقلل من التنسيق الأمني والسياسي بين دول المجلس وما حققه لشعوبه، إلا أن حجم الاستعدادات وعمل المجلس يجعله في هذه المرحلة أمام أخطار لا تحتمل تأجيل دعوة الملك عبد الله للاتحاد. إن هذه الدعوة تعبر عن استشعار الملك عبد الله بالأخطار المحيطة بدول المجلس، إن الظروف والمعطيات الحالية فرصة لتحقيق الاتحاد أكثر من أي وقت مضى، لن نتحدث عن المصالح المشتركة بين هذه الدول وما يجمعها من ثقافة واحدة وتشابه كبير في ظروفها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فهذه واضحة للعيان، وهي وحدها كفيلة بأن تكون مدعاة للاتحاد، ولكن ما هو أهم من ذلك أن فكرة الاتحاد الخليجي لم تعد في هذه المرحلة الحرجة مجرد خيار لدول المجلس الخليجي، ولكنها أصبحت لزاما لا مفر منه.. وحتى لا نقول بعد ذلك: أُكلنا يوم أُكل الثور الأبيض!