رندة تقي الدين
تجرى الجولة الاولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية في ٢٢ نيسان (ابريل) المقبل، ويظهر حتى الآن في جميع استطلاعات الرأي ان المرشح الاشتراكي فرنسوا هولاند سيكون الرئيس الجديد لفرنسا. فهو يسبق بفارق كبير مرشح الحزب الديغولي (الاتحاد للحركة الشعبية) الرئيس الحالي نيكولا ساركوزي الذي يخوض معركة لولاية ثانية من خمس سنوات. والتراشق الكلامي بين المرشحين الاساسيين مملّ. فساركوزي يعرض في كل مؤتمر انتخابي سلسلة إجراءات جديدة بالنسبة الى التعليم وقانون العمل في محاولة لكسب اصوات لتحسين شعبيته. وهولاند يستقطب عامة الشعب بالإعلان عن نيته في فرض ضرائب بقيمة ٧٥ في المئة على عائدات الاثرياء الذين يزيد دخلهم السنوي عن مليون يورو، كما يريد فرض ضرائب على الشركات الكبرى. كما انه يريد تخفيض نسبة الطاقة النووية من انتاج الطاقة في فرنسا الى خمسين في المئة في عام ٢٠٢٥ ما يعجب المجموعات البيئية ولكن قد يؤدي الى رفع سعر الكهرباء. الا ان واقع الحال ان الناخب الفرنسي كثيراً ما لا يعلق اهمية على هذه الوعود من المرشحين لانه يدرك ان كل شيء يتغير بعد ان يصبح المرشح رئيساً. ولكن الأمر الواضح ان هناك رفضاً من عدد كبير من الناخبين لشخصية ساركوزي. فرغم ان أداءه الحكومي كان جيداً بالنسبة الى اصلاحات انجزها على صعيد قانون التقاعد والجامعات الفرنسية، كما تميز على الصعيد الدولي في كل من ليبيا وأزمة جورجيا وخصوصاً الأزمة الاوروبية المالية، لكنه غير محبوب من الشعب لأطباعه الانفعالية وظهوره في بداية حكمه بمظهر المراهق الذي يحب مظاهر الغنى، من اليخوت الى عرض تفاصيل حياته الزوجية السابقة مع سيسيليا التي تركته بعد انتخابه. ثم فترة غرامه بزوجته الحالية عارضة الازياء الجميلة كارلا. كل ذلك ادى الى ابتعاد الشعب الفرنسي عن شخصية رئيسه، اضافة الى ان ولايته شهدت ازمة مالية اجتاحت اوروبا وأدت الى تراجع كبير في الوضع الاقتصادي مع تزايد البطالة الى ثلاثة ملايين عاطل من العمل وتراجع كبير للقوة الشرائية للمواطن الفرنسي وغلاء متفاقم. ولكن للانصاف لم يكن ساركوزي مسؤولاً عن الازمة التي اجتاحت فرنسا واوروبا الا انها عامل آخر في رفض الناخب الفرنسي لرئيسه.
اما هولاند في المقابل فيراهن على كل ما يبعد الشعب الفرنسي عن شخص رئيسه الحالي خصمه. فهو يظهر دائماً هادئاً ومرتاحاً في حملته. اضافة الى انه يتماشى مع طبع المواطن الفرنسي الذي لا يحب الاثرياء ومظاهر المال. ورغم ان هولاند يخيف الاثرياء الفرنسيين الذين بدأوا يخرجون ثرواتهم الى اماكن اخرى فهو يستقطب جزءاً ممن يكرهون شخصية ساركوزي. وعلى عكس حملة ساركوزي عام ٢٠٠٧ تعاني حملته الحالية من اخطاء كبرى وعدم قدرة على تحسين صورته. فقد وقع في فخ بعض المتظاهرين الاشتراكيين الذين تظاهروا ضده في مدينة بايون الى جانب الاستقلاليين الباسك. وغضب واستاء من تصرفاتهم. وكان ذلك طبيعياً لكنه ظهر مجدداً بطبعه المتوتر مما اعاد الى اذهان الفرنسيين هذه الناحية من شخصيته. ومضمون حملته سيء لأنه يحاول استقطاب الناخبين من اليمين المتطرف الذين يصوتون لمارين لوبن زعيمة الجبهة الوطنية التي تخيف الناخب الفرنسي اليميني من الاجانب والاسلام. فهي تزعم ان كل اللحوم التي يتناولها الفرنسيون مذبوحة وفق الشريعة الاسلامية. وتهدد اذا تم انتخابها بالتخلي عن اليورو والانسحاب من الاتحاد الاوروبي. بينما يركز ساركوزي على سياسة هجرة اكثر تشدداً. ويقول وزير داخليته كلود غيان انه يرفض مشاركة الاجانب في انتخابات المجالس العامة للمناطق، اذ انها ستؤدي الى فرض ادخال اللحم الحلال الى مائدة طعام المدارس الفرنسية. ولا شك في ان هذه الحجج تهدف الى استقطاب ناخبي لوبن التي تحظى اليوم بحوالى ١٤ في المئة من التأييد في استطلاعات الرأي. ولكن محاولة ساركوزي استقطاب ناخبي لوبن غير مجد. فحملته هذه المرة لا تعطي النتائج التي يتمناها لأنه اولاً الرئيس الخارج وثانياً لانه ورغم دينامكيته ونشاطه لا يظهر كشخصية رئاسية. اما هولاند فرغم غياب الكاريزما في شخصيته الا ان صورته قد تتغير عندما يصبح رئيساً لان المنصب الرئاسي في فرنسا يضفي هالة خاصة، اضافة الى ان الشعب الفرنسي يريد التغيير بعد ١٧ سنة من رئاسة يمينية من شيراك الى ساركوزي. والمؤثر ايضاً في نوعية حملة كل من هولاند وساركوزي ان تقدم الاول في جميع استطلاعات الرأي يعطيه المزيد من الثقة والهدوء في حين ان ساركوزي يزداد توتراً وقلقاً وحيرة لما يجب ان يفعله لإحراز تقدم. والمرجح ان تكون المعركة الرئاسية قد حسمت لمصلحة هولاند ولو انه لا يزال هناك اقل من شهرين يمكن أن تحدث خلالهما مفاجأة، ولكن الامر مستبعد.
التعليقات