الياس الديري

بألم وقهر واحتجاج، قلنا مراراً عن لبناننا، عن سويسرا الشرق، إنهم جعلوه نموذجاً للفساد والتسيُّب والنهب والتكسُّب.
وقلنا تكراراً، بحسرة وغضب، إن الوطن الرسالة الذي كان محطّ إعجاب العالم الأوّل، وكبار المثقّفين والقادة والسياسيين، قد حوّلوه مثلاً قاطعاً وساطعاً عن غابة من المستغلّين، والمستبيحين، والذين يسمّون من يأخذ أمهم عمّهم.
وقلنا الكثير، وعلى امتداد السنوات العجاف، وعقود الفضائح، والذين لا يترددون عن حرق بلد ليشعلوا سيجارة، حتى بتنا في حاجة حقيقية الى مفردات معبّرة أكثر وأفدح وأفظع، تستطيع استيعاب ما يحدث ويحصل ويجري. كل يوم. في كل الحقول. على مختلف المستويات. وبأحجام ومبالغ مذهلة.
إلى أن سمعنا وزير الصحة علي حسن خليل وهو يستفيض في الحديث عن quot;قنبلة الفسادquot; التي انفجرت في وجه كل اللبنانيين، وعلى أبواب مواسم سياحة واصطياف واستثمار، وفي الوقت الذي تفتش المنطقة وشعوبها عن ذيّاك النموذج اللبناني الذي كان محطة الباحثين عن الأمان والراحة والسعادة...
ويبدو أننا لا نزال مقصّرين في حقل الوصف والردح، كما فاجأنا الوزير خليل حين فتح ملفاً جديداً مشتقاً من روح ملف الأمن الغذائي يتصل بمسلسل فضائحي لا يقل خطورة عما أزيحت عنه الستارة من مشاهد مخيفة، ويتصل مباشرة بحياة الناس جميعهم، وبصحة السواد الأعظم من اللبنانيين... ألا وهو ملف الماء.
ثمانمئة شركة مؤسسة تعاونية دكان، سمها ما شئت، معظمها غير مرخّص وغير خاضع لأية مراقبة أو محاسبة، تتعاطى quot;تجارةquot; الماء وتوزيعها في زجاجات، أو براميل كبيرة وصغيرة، أو كميونات، أو صهاريج.
ثمانمئة فقط لا غير. لا مين شاف ولا مين دري.
وهذا الكلام ليس عشوائياً أو تقديرياً أو مفبركاً، بل إنه كلام وزير الصحة. وعبر التلفزيون. وبالألوان. وبوضوح وصراحة واعتراف ان هذا الحقل سيخضع لإعادة تنظيم... quot;ولن أسمح بتغطية أيّ مخالف. فصحّة الناس أبدى من كل هؤلاءquot;.
لذا ستكون هناك إجراءات صارمة. فلا رحمة بعد اليوم، بعد هذه المسلسلات من فضائح الفساد والفاسدين، ولا تراجع.
الأكل quot;مضروبquot; ولا حسيب أو رقيب. ولولا المصادفة لبقينا نائمين على آذاننا في فوهة بركان اللحوم والأسماك والزيوت الجالبة لكل أنواع الأمراض، ولضوعف عدد quot;مؤسساتquot; الاتجار بماء الشرب. فيكتمل النقل بالزعرور.
في سياق التعتير اللبناني والفضائح والشرشحة، وصلنا عزيز كتاب الموفد الأميركي الحازم في كلامه على موضوع آخر للفساد والفاسدين دور كبير في ساحته: كيف لا وهو يتعلّق بالمال quot;الأبيضquot; والأسود والحلال كما الحرام، مع التحذير والتنبيه quot;ان على لبنان اتخاذ أقصى درجات الحيطة والمراقبة والمتابعةquot;.
وأحرّ قلباه على بلد كان فرجة للمتفرجين والعالمين!