عدنان حسين و خليل حسين: ماذا يريد العراقيون من قمّة بغداد؟

ماذا يريد العراقيون من قمّة بغداد؟
عدنان حسين
المدى العراقية
أهلاً وسهلاً ومرحباً بكم جميعاً ضيوفنا العرب، رؤساءً وممثلي ملوك ووزراء .. نقولها لكم صادقة بالعربية الفصحى وبلهجات بلداننا العشرين ونيّف: حللتم أهلاً ونزلتم سهلاً في عاصمتنا بغداد.
نرحب بكم أجمل ترحيب أيها الإخوة، برغم انكم خالفتم ما يقوله المثل العربي: quot;عند الشدائد تُعرف الإخوانquot;، فأنتم،عدا القلة القليلة منكم، لم تكونوا اخوة لنا في سني محنتنا الطويلة عندما كان الوحش الصدامي يفتك بنا فتكاً .. اتخذتم موقف النظارة في مسرح أو دار للعرض السينمائي، بل ان بعضكم صار عوناً للجلاد على ضحيته. وحتى عندما سقط الدكتاتور فإنكم تركتمونا فريسة لوحشين ضاريين أيضاً، الإرهاب السافل وطبقتنا السياسية الغارقة في طائفياتها وفسادها وصراعاتها السافرة على السلطة والنفوذ والمال، بل ان بعضاً مهماً منكم تناوب مع جيراننا الأعاجم على تقديم المال والرجال والسلاح والتدريب والمأوى وتسهيلات المرور للإرهابيين الذين لم يكفّوا حتى الآن عن تفجير السيارات المفخخة والأحزمة والعبوات الناسفة في أسواقنا ومستشفياتنا ومدارسنا وجوامعنا وكنائسنا ودوائرنا الحكومية، فقتلوا وجرحوا من أطفالنا وشيوخنا ونسائنا ورجالنا نصف مليون نسمة أو أكثر.
نحن شعب طيب، أيها الأخوة العرب، ومن علامات طيبتنا اننا نسامح من دون أن ننسى. والمهم بالنسبة لنا الآن أن تأخذوا العبرة مما مضى وتلتفتوا في أول قمة لكم في زمن الربيع العربي الى قضية الشعب السوري الشقيق .. لا تتركوه وحده يفتك به الوحش البعثي الكاسر.. كونوا اخواناً له في زمن شدته. إن تحقق هذا في قمتكم هذه فسيكون أعظم إنجاز لقمة بغداد وفي تاريخ القمة العربية برمته. وننتظر من قمتكم أيضاً ما نفهم منه، ولو ضمنياً، انكم نادمون على ما فعلتموه بنا سابقاً ولاحقاً، فهذا سيطمننا الى انكم ستكونون عوناً لنا في كفاحنا ضد الإرهاب .. عونكم في هذا المجال سيعيننا في كفاحنا ضد الفساد الذي يضرب مؤسسات دولتنا طولاً وعرضاً ويعوّق استردادنا العافية، ويعيننا أيضاً في كفاحنا من أجل هزيمة نظام المحاصصة والسير فى طريق الديمقراطية الذي نريد.
نرحب بكم أيها الأخوة العرب، وكنا نتمنى أن تُعقد قمتكم في ظروف أخرى .. ظروف تتيح لكم التمشي في شوارع بغداد التي كانت جميلة ودمرتها حروب صدام وأبقاها نظام المحاصصات الطائفية على حالها من الخراب.. كنا نريد أن نستقبلكم بالزهور والبخور وماء الورد في شارع الرشيد وشارع أبو نواس وكورنيش الاعظمية وكورنيش الكاظمية .. في ساحة التحرير وساحة الفردوس وسواها، لكن حكومتنا، ومن خلفها النظام السياسي الهجين الذي انبثقت عنه، تركت عاصمتنا كسيرة جريحة هرمة مهملة متروكة لمصيرها مع ان دخلنا من النفط وحده بلغ عتبة المئة مليار دولار سنوياً. كنا نرغب في أن تستقبلكم بغداد بذراعين مفتوحين وليس مكتوفين بحوائط الكونكريت التي تُخفي عن عيونكم مشاهد أكبر مزبلة وأتعس شعب في العالم.
نحن، ايها الأخوة العرب، شعب متعدد القوميات والأديان والمذاهب والعقائد السياسية والفكرية. من المهم ان تدركوا هذا، فبعضكم تصرّف في الماضي ويتصرف الآن كما لو ان ملاييننا الثلاثين كلها من طينة واحدة، وكان ذلك التصرف ولم يزل وبالاً علينا. لسنا جميعاً عرباً، فنحن كرد وتركمان وكلدان وآشوريون وأرمن أيضاً. ولسنا جميعاً مسلمين، فنحن مسيحيون وصابئة مندائيون وايزيدية ويهود أيضاً. وكما إننا لسنا جميعاً من قومية واحدة أو دين واحدة، فمتدينوننا ليسوا من مذهب واحد.. انهم شيعة وسنة وكاثوليك وأرثوذكس وبروتستانت، وسواهم. أما عقائدنا السياسية ومنابعنا الفكرية فلا تُعد ولا تُحصى، من اليمين الى اليسار وما بينهما. هذه اللوحة المتعددة بألوانها وأطيافها كقطعة موزاييك أو قوس قزح كانت على الدوام مصدر قوة لنا ولبلادنا التي انبثق فيها وتطور العديد من أعظم الحضارات في التاريخ. فليكفّ بعضكم عن السعي لنكون على شاكلته وصورته.
أهلاً بكم أيها العرب، واعذرونا لأنكم لم تجدوا بغداد كما كانت في أحلامكم وفي بطون الكتب التي قرأتموها، وهذا ليس ذنبنا وانما جناية نظام البعث في السابق ونظام المحاصصات حالياً. لكن تلفتوا حولكم وابحثوا عن صدام والقذافي ومبارك وبن علي وبن صالح وحتى بشار الأسد، لتتيقنوا من أن دوام الحال من المحال.
تحديات قمة بغداد العربية
خليل حسين
الخليج
ربما قدر بغداد استضافتها الدائمة لقمم عربية استثنائية بموضوعاتها وظروفها، وكما كان الأمر في المرتين السابقتين، تعقد القمة العربية الدورية في ظروف هي الأشد استثنائية في النظام الإقليمي العربي لجهة مكوناته الذاتية والموضوعية . فما هي تحدياتها ومآلاتها؟ وهل ستتمكن من إعادة العرب إلى الجغرافيا والتاريخ اللذين أخرجوا منهما؟ أم ستبقى قمة كغيرها من القمم؟
في العام 1978 استضافت بغداد ما أسمته آنذاك ldquo;قمة التصدي والصمودrdquo; لمواجهة زيارة أنور السادات إلى تل أبيب وما تبعها من توقيع لاتفاقية كامب ديفيد، كانت النتيجة اجتياح ldquo;إسرائيلrdquo; لجنوب لبنان واحتلال قسم كبير منه . فلا الصمود أثمر، ولا التصدي منع . تبعتها سلسلة من الانقسامات العربية على أبرز القضايا وسبل حلها ومنها الصراع العربي - ldquo;الإسرائيليrdquo; .
في القمة الثانية عام ،1990 اجتمع العرب في بغداد كالتفاتة للعراق على حربه مع إيران، أضاع فرصتها آنذاك صدام حسين، ورد على مقرراتها باجتياح الكويت بعد شهرين، فكانت الطامة الكبرى حيث عاد العرب وانقسموا مجدداً، فكانت النتيجة أيضاً لمصلحة ldquo;إسرائيلrdquo;، فَجُرّوا إلى مؤتمر مدريد للسلام، حيث تفرقوا أيضاً وعقدت اتفاقيات سلام منفردة مع ldquo;إسرائيلrdquo; كل على ليلاه .
القمة الحالية تعقد وسط تحديات من نوع آخر، وإن كانت لها صلة ما بالقمتين السابقتين موضوعياً، لكن ثمة إضافات ومن نوع آخر، فrdquo;إسرائيلrdquo; ليست وحدها التي تشكل خطراً، ثمة هواجس موضوعية متعلقة بارتفاع منسوب التأثير غير العربي في القضايا العربية وبشكل غير مسبوق . إضافة إلى الحراك العربي في غير مكان والذي يؤرق الكثير من مكونات الواقع العربي الراهن وبخاصة الأنظمة التي عاشت واستمرت بحجة الصراع مع ldquo;إسرائيلrdquo;، فماذا ستكون عليه مقررات القمة ومواقفها تجاه العديد من التحديات المطروحة؟
أولاً، في مؤسسة القمم العربية التي تبدو ظاهرياً أنها فاعلة عبر حراك جامعة الدول العربية في غير أزمة عربية، أو غير عربية، ماذا ستقدم لنظامها الإقليمي الذي بات متلاشياً وليس له أي أثر يذكر فيما يجري فيه وعليه؟أهل هي قادرة على إنتاج نفسها وإعادة تعويم دورها المفترض عبر آليات عمل جديدة تراعي ظروفها الاستثنائية وظروف دولها غير الطبيعية؟ وأين أصبحت مشاريعها الإصلاحية وبرامجها المرحّلة من دورة إلى دورة؟ وهل ستتمكن من إنجاز شيء ما في هذه الظروف الاستثنائية بعدما عجزت عن فعله في ظروف طبيعية؟
ماذا يمكن أن تقدم القمة العربية لدفع المخاطر التي تحيط بالعرب من كل جانب؟ ثمة صفيح ساخن في المنطقة تغلي تحته أزمات أكبر من إقليمية، وهي من النوع القابل للانفجار في أي لحظة . فماذا سيكون موقف العرب من اندلاع حرب ldquo;إسرائيليةrdquo; - إيرانية محتملة على خلفية البرنامج النووي؟ هل أعدت العدة لمواجهة تداعياتها التي ستكون مباشرة على العرب قبل غيرهم؟
ما قراءة القمة العربية لمجمل الفواعل الإقليمية في المنطقة ومنها تركيا وإيران اللتان باتتا اللاعبين الأكبرين في مجمل أزماتنا الداخلية والخارجية؟ هل تكفي سياسة النأي بالنفس وإدارة الأزمات بالأزمات عل وعسى تتغير الظروف؟
ما مصير المبادرة العربية للسلام التي أطلقت ldquo;إسرائيلrdquo; عليها رصاصة الرحمة منذ انطلاقتها في قمة بيروت 2002؟ وماذا سيقدم للفلسطينيين في مواجهة ldquo;إسرائيلrdquo;؟ وماذا عن القدس التي ابتلعت وهودت؟ ثمة انقسام عربي غير مسبوق على قضايا محورية ومركزية في حياة أمتنا العربية، فهل ستتمكن بغداد من إعادة لم الشمل العربي؟ أم ستكون القمة مناسبة للمزيد من التباعد والانقسام؟ وما دور العراق الذي سيترأس القمة في هذه القضايا المحورية، هل سيكون قادراً على وصل ما انقطع؟ وما هي تصوراته في مناقشة أكبر التحديات وأخطرها في القمة وهي كيفية مقاربة حل الأزمة السورية؟ أو بالأحرى كيف سيوفق بين مواقفه المعلنة والمعروفة في علاقته مع كل من سوريا وإيران وبين باقي المواقف العربية؟ أسئلة تطول بطول أزماتنا التي لا نهاية لها، إذا لم ندرك الحاجة الحقيقية إلى التغيّر . اليوم نحن العرب بأمس الحاجة إلى إقناع أنفسنا بأن المضي في عدة الشغل السابقة نفسها لن توصلنا إلى أي مكان . نحن بحاجة إلى فهم متطلبات شعوبنا وحاجاتها، ومن هنا تأتي ضرورة الاستجابة للمتغيرات الحاصلة في غير مكان وزمان على قاعدة الحاجة والتدقيق فيها لئلا يكون التغيير في غير مكانه الصحيح .
اليوم بات العرب محاطون بفواعل إقليمية عرفت كيف تمزق ما تبقى من وحدتهم، بل عرفت كيف تتغلغل إلى عمق قضاياهم وأزماتهم وباتت تديرها بشكل متقن، بحيث يصعب التفلّت من آثارها وتداعياتها، فهل سنكون على مستوى التحديات القائمة؟
قمة بغداد اليوم مطالبة بألا تكون على صور القمم السابقة، ثمة حسم مطلوب للتحديات الداخلية التي نمر بها . كما ثمة ضرورة ملحة لدفع المخاطر الخارجية عنا . بالأمس البعيد ضاعت فلسطين، وبعدها احتلت بيروت وبغداد . قُسّم السودان، والصومال ينتظر دوره، فيما باتت الفدرلة موضة سياسية رائجة في الأدبيات السياسية للثورات . ربما المطلوب اليوم أكبر من قدرة القمة على فعله أو تحقيقه، لكن ينبغي أن يظل الحلم العربي الذي أطلق نشيداً يوماً ما، ماثلاً في أذهاننا عل وعسى نستيقظ من كبوتنا التي طالت كثيراً .