جاسم بودي
كلما حذّرنا من أن انفلات العقل في الكويت لم يعد له حدود وأن الامور تسير من سيئ إلى أسوأ وربما إلى أكثر مما هو أسوأ، تأتي التطورات لتثبت أننا laquo;متأخرونraquo; في توقعاتنا، وأن نار الفتنة المذهبية والطائفية أسرع بكثير من كل عمليات الإخماد ومن حكمة العقلاء وسواعد الإطفائيين.
مرة أخرى نسأل: هل نحن في الكويت؟ هل هذه هي الكويت التي نشأنا فيها ونريد لأبنائنا أن يكملوا المسير؟ وهل سنورثهم مقاليد بلد أم أطلال معسكرات طائفية وقبلية؟ سيقول قائل: laquo;ما بال هذا الرجل يضخم الأمور ويبالغ في عرضها؟raquo;، صحيح، لكن من ينظر إلى نهاية الطريق لابد أن يرى الحافة التي تنتظر القوافل المتصارعة المتسارعة المتدافعة حتى ولو بانت بعيدة أو حجبها غبار الغابرين.
وقبل أن نخوض في الموضوع أكثر لا بد من بعض التوضيحات - التأكيدات:
أولا، لا يجوز بأي حال من الأحوال استخدام حرية التعبير في الاساءة إلى الرموز والقيم والأعراق وكل ما نص القانون على تجريمه.
ثانيا، لابد أن يعاقب أي مسيء، لتكريس مبدأ العدالة والمحاسبة من جهة ولتحصين مسيرة الحريات والديموقراطية من جهة اخرى... ففي القصاص حياة ونحن طلاب حياة لا طلاب موت.
ثالثا، إن المحاسبة في قضية إساءة حرية التعبير مبدأ موجود في أرقى الدول، وقد تعمدنا في laquo;الرايraquo; أن نبرز حكم السجن بحق بريطاني مدة شهرين لمجرد أنه كتب تغريدة ضد لاعب كرة قدم أسود رأت المحكمة فيها نفسا عنصريا يشجع على الكراهية.
رابعا، إن الذات الإلهية والرموز الدينية وعلى رأسها أشرف خلق الله سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام تحظى بحصانة دينية وإنسانية وأخلاقية قبل القانونية، ولذلك فإن أي منحرف يتعرض لها يجب أن يعاقب ويحاسب فورا كي يكون عبرة لغيره.
خامسا، إن الجهات المنوط بها تطبيق القوانين في ما يتعلق بكل ما ذكرنا هي الجهات الأمنية والقضائية المختصة ولا أحد غيرها.
بعد هذه التوضيحات - التأكيدات نأتي إلى ما يحصل في الكويت. يسيء رجل إلى رمز ديني، ويصدف أن يكون من الطائفة السنية، فيعتبر بعض المرضى والحمقى والمتآمرين أن الطائفة السنية برمتها تحت المجهر والحساب وأمام مرمى نيران الآخرين. يسيء رجل إلى أشرف المرسلين وسيد العالمين ويصدف أن يكون من الطائفة الشيعية فيعتبر بعض المرضى والحمقى والمتآمرين أن الطائفة الشيعية برمتها تحت المجهر والحساب وتحت مرمى نيران الآخرين.
مرضى؟ لأن البعض عاجز عن فتح أي كوة في تفكيره وعاجز عن التعايش حتى مع أهل بيته. وحمقى؟ لأن البعض تأخذه الحمية بالجهل فيفسر الأمور من منظوره الطائفي الضيق. ومتآمرون؟ لأن البعض يريد من خلال تصعيد اللغة الطائفية تكريس وضع متطرف انقسامي يحصد من خلاله بعد كل laquo;موقعةraquo; عناصر جديدة يستخدمها وقودا في معركته.
والحقيقة أن المخطئ يخطئ بصفته لا بطائفته. يسيء أحدهم إلى الإمام المهدي فتتحول إساءته لدى بعض الشيعة الى مؤامرة من تنظيم laquo;القاعدةraquo; لتغيير أنظمة الحكم في المنطقة. مهلا مهلا يا سادة يا كرام فالرجل لا يمثل إلا نفسه والسنة ليسوا تنظيم laquo;القاعدةraquo; بل هم أكثر من اكتوى بإجرام هذا التنظيم إضافة إلى أنهم يكنون كل محبة وتقدير إلى أهل بيت رسول الله عليهم السلام. ويسيء آخر إلى سيدي رسول الله فتتحول إساءته إلى هجوم على بعض الشيعة وإحراق علم إيران ودعوات إلى مراقبة الحسينيات. مهلا مهلا يا سادة يا كرام فالشيعة هم أهل بيت النبي ويستحيل أن يقبلوا بإساءة أحد إلى مقام رسول الله سواء كان منهم أو من غيرهم، وإيران، بغض النظر عن موقفنا من سياساتها في المنطقة، دولة إسلامية اختلفت مع كل الدول الأوروبية عندما أساء الكاتب سلمان رشدي تلميحا إلى رسول الله في كتابه laquo;آيات شيطانيةraquo; وما زالت الفتوى بهدر دمه قائمة حتى الآن.
يا سادة يا كرام نحن دولة قانون ودستور ومؤسسات، والقائمون على تطبيق القانون لا يقلون حرصا في الدفاع عن القيم والمعتقدات عن غيرهم من عشاق الميكروفونات ومحرضي المشاعر. وكما أن أحدا لا يرضى بأي إساءة لرموزنا وديننا فإن أحدا أيضا لا يرضى بأن تؤخذ الحقوق بالأيادي والقدرات الخاصة للأفراد والمجموعات، ولنكن واضحين أكثر، فإن استغلال البعض لقضايا دينية وتوظيفها في الصراعات السياسية هو لغم سينفجر في حاضر الكويت ومستقبلها.
بعدما سمح البعض لنفسه بتوزيع شهادات الوطنية وتصنيف الناس بين وطني ولا وطني، وبعدما سمح البعض لنفسه بالحلول محل المؤسسات وتصنيف الأفعال بين قانوني ولا قانوني أو دستوري ولا دستوري، ها نحن اليوم نرى من يسمح لنفسه بأن يصنف المسلمين بين محبي الرسول عليه الصلاة والسلام ولا محبيه... تخيلوا كيف نزرع الوقود في أرضنا ونمهدها لمن يريد أن يلقي فيها عود ثقاب مشتعلاً.
من تكلم فإنما يمثل نفسه والقانون يعاقبه، هو لا يمثل طائفته ولا أسرته حتى، ولا يجوز لأحد غير السلطات المعنية أن يتدخل في الإجراءات العقابية وإلا فإن شريعة الغاب ستسود حتى ولو كانت تحت اسم الدفاع... عن الشريعة.
- آخر تحديث :
التعليقات