فهمي هويدي
إحدى مشكلات مجلس الشعب الحالي في مصر أن أعضاءه يمثلون الشارع ولا يمثلون الحكومة أو الحزب الحاكم. وهذا هو السبب في امتلاء جدول أعماله بمشكلات الناس صغيرها وكبيرها، الأمر الذي يكاد يخل بترتيب الأولويات، حتى وجدنا أن مشكلة توافر السولار أو أنابيب البوتاجاز فرضت نفسها على المناقشة في المجلس، متقدمة على قضية الانفلات الأمني أو الأزمة الاقتصادية فإذا كان أعضاء المجلس يتنافسون في استدعاء ما كان محبوسا من مشاعر أو ما كان مسكوتا عنه من ملفات ومشكلات، فلنا أن نتصور موقف السلفيين الذين عانوا طويلا من التعتيم والحصار وربما الازدراء، ثم وجدوا أنفسهم فجأة تحت قبة البرلمان وفي بؤرة الضوء. الأمر الذي أتاح لهم أن يرفعوا أصواتهم عالية ليقولوا في العلن وعلى الفضائيات ما حبسوه طويلا ودرجوا على الهمس به في بعض الزوايا والسراديب التي كمنوا فيها خشية البطش والملاحقة.
والحق أنني ما أردت أن أعلق على ازدحام جدول أعمال المجلس بمختلف الهموم والشجون، وإن كنت أعتبر مسألة ترتيب الأولويات قضية محورية بالنسبة للجميع يتعين الالتفات إليها، ولكني بالإشارة إلى تلك الخلفية أردت أن أنبه إلى الأجواء السائدة داخل البرلمان تمهيدا لوقفة ابتغيتها مع أداء السلفيين تحت القبة. وإذا كنت قد تحدثت قبلا عن صاحبنا الذي رفع أذان الصلاة أثناء انعقاد المجلس، واعتبرت مسلكه من قبيل الطفولة السياسية، فإن دعوة نظير له إلى وقف بث القنوات الإباحية شجعتني على العودة إلى المناقشة من خلال وقفة أخرى. ذلك أن تلك الدعوة تعد مؤشرا يوحي باقتراب السلفيين من ملف الآداب العامة ومظاهر الالتزام الديني، الذي يعد أحد العناوين الأساسية في إستراتيجية الفكر السلفي.
ولا أجد مفرا في اللحظة الراهنة من تكرار القول بأن السلفيين ليسوا شيئا واحدا، ولكنهم مذاهب ومدارك شتى. مع ذلك أزعم بأن الاهتمام بالعقائد أولا ثم بالمظاهر والسلوك ثانيا يمثل قاسما مشتركا بين أغلب مدارسهم. بالتالي فقد أعذر من شغل نفسه بالحرب على القنوات الإباحية وأتفهم خلفيته الثقافية، إلا أن إثارة الموضوع في مجلس الشعب تدعو إلى تسجيل الملاحظات التالية:
lt; إن ما قد يقبل في مخاطبة الأتباع والمريدين في صحن المسجد أو الزاوية لا يقبل تحت قبة البرلمان الذي يمثل الأمة بأسرها. على الأقل من حيث إن طموح الأولين يختلف بالكلية عن تطلعات وتوقعات الأخيرين. وبقليل من النظر يدرك الإنسان الفرق بين أولويات هؤلاء وهؤلاء.
lt; حتى إذا أيدنا النائب المحترم في مطلبه، واعتبرنا منع القنوات الإباحية مطلبا جماهيريا وواجب الوقت، فإن الإقدام على هذه الخطوة في زماننا بات مستحيلا من الناحية العملية، لأن الوصول إليها رغم المنع بات في مقدور كل أحد. وإذا ما حقق النائب مراده وصدر قرار المنع فسوف يجد صاحبنا أن بث تلك القنوات متاح على هاتفه المحمول. وإذا كان هناك اتفاق على تعريف القنوات الإباحية، فغاية ما يطلب من الدولة ألا تبث تلك المواد أو تمول إنتاجها، وهو الحاصل الآن.
lt; إننا نتمنى من السلفيين ومن عموم الإسلاميين الممثلين في البرلمان أن يظل سعيهم إلى الإضافة والبناء مقدما على حرصهم على الخصم أو الهدم. وليتذكروا جميعا أن النصوص القرآنية قدمت الأمر بالمعروف على النهي عن المنكر.
lt; إن النبي عليه الصلاة والسلام طوال عشر سنوات تقريبا لم ينشغل بهدم الأصنام في الكعبة، رغم أنها تعد التحدي الأكبر لرسالة التوحيد. وشغل طوال تلك الفترة بالتبليغ والتبشير بالدعوة، أعني بتأسيس البديل الأفضل.
lt; إنني أتمنى من عقلاء السلفيين أن يوجهوا بعضا من اهتمامهم نحو احتياجات الجماهير التي انتخبتهم وأولويات الوطن الذي ينتمون إليه، وأن يفصلوا بين ما يخص جماعتهم وبين ما يصبو إليه المجتمع المحيط بهم. وليتهم يلتزمون بأولويات الجماهير والوطن وأن يقدموها على مشروع الجماعة وأفكارها.
lt; عليهم أن يدركوا أيضا أن هناك من يتربص بهم ويتصيد لهم، تشهد بذلك الضجة المبالغ فيها التي أحدثتها الحماقات التي أقدم عليها بعض عناصرهم، بدءا من رفع الأذان أثناء الجلسة ومرورا بفرقعة أنف البلكيمي وانتهاء بفتاوى بعض شيوخهم التي صدمت الرأي العام، وهو ما أضرَّ بهم وخوف الناس منهم وسحب الكثير حتى رصيدهم. ولأن المتصيدين لن يغيروا من موقفهم، فلا أقل من يكف السلفيون عن تزويدهم بما يشجعهم على الاستمرار في تبني ذلك الموقف.
بالمناسبة، ما مصير هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي أعلنت عن نفسها فجأة وأحدثت في مصر بلبلة أفزعت كثيرين، ثم اختفت فجأة ولم نعد نسمع لها صوتا أو نقرأ عنها خبرا ــ وهل كان ظهورها مجرد فرقعة أم دسيسة أريد بها ترويع المجتمع؟
التعليقات