تل ابيب

القرار بطرح ترشيح خيرت الشاطر، نائب زعيم الاخوان المسلمين، كمرشح الحركة لرئاسة الدولة، يثير موجة من الخلافات والتخوفات في مصر. فقد صرح رئيس حزب الجبهة الديمقراطية بان 'قرار الاخوان المسلمين ينزع منهم الشرعية، بعد أن تعهدوا الا يطرحوا مرشحا عنهم'.
مرشح حزب التجمع اليساري، القاضي هشام البسطويسي، إعترف بان ترشيح الشاطر يضر بفرصه وأنه 'كان يفضل لو تمسكت حركة الاخوان المسلمين بوعودها الا تتنافس'، أما حزب النور السلفي فيخشى من أن يضر مرشح الاخوان بفرص كل المرشحين المتدينين بالفوز بالرئاسة. الحركات الليبرالية تخشى من أن يكون في نية الاخوان السيطرة على كل مؤسسات الحكم: من البرلمان الذي فازوا فيه بـ 47 في المائة من المقاعد، عبر مجلس صياغة الدستور والذي نجحوا في أن يعينوا فيه أغلبية متدينة وحتى منصب الرئيس.
هذا القرار لا ينبغي أن يقلق اسرائيل أكثر من مجرد نجاح الاخوان المسلمين في الانتخابات. وذلك لانه حتى لو كانت للرئيس الجديد صلاحيات واسعة، فان للبرلمان المصري منذ الان قوة هائلة لتحديد سياسة جديدة للداخلية والخارجية، وصلاحيات ينبغي أن يراعيها كل رئيس، سواء جاء من أوساط الاخوان أم من حركات اخرى. وهكذا فانه اذا قرر البرلمان المصري اعادة النظر، تعديل أو الغاء اتفاقات كامب ديفيد، فانه لا يحتاج بالذات الى رئيس من جانب الاخوان.
حتى الان أوضح كبار ممثلي الاخوان، ولا سيما خيرت الشاطر بانهم ملتزمون باتفاقات كامب ديفيد وبكل الاتفاقات التي وقعتها مصر مع دول اخرى، بما فيها اتفاق بيع النفط والغاز لاسرائيل. الشاطر، مثل زملائه في قيادة الحركة، وإن لم تكن لديه محبة زائدة لاسرائيل، ولكن مشكوك فيه أن يكون مقته لاسرائيل يفوق مقت عمرو موسى، الذي كان أمينا عاما للجامعة العربية أو باقي المرشحين المائتين الاخرين.
ترشيح الشاطر يوضح جيدا مصاعب الحركة الدينية في تبني ايديولوجيا عديمة المساومة. هذا ليس اكتشافا مفاجئا. فالحركة التي منذ تأسيسها في 1928 شاركت في السياسة المصرية، لا يمكنها أن تقف جانبا وأن تدع الاخرين ينزعوا منها انجازاتها السياسية. في كل سنوات نشاطها ردت الحركة الانتقاد ضدها على مجرد مشاركتها في السياسة واهمالها للرؤيا الاسلامية، والتي بموجبها الامر المثالي هو اقامة أمة اسلامية واحدة وليس قيادة دولة إسلامية، فما بالك التعاون مع أنظمة تعتبر كافرة. لم يكن للاخوان المسلمين أيضا أي مشكلة في التعاون مع حركات اليسار، حركات الشبيبة والمنظمات الليبرالية، قبل وقت طويل من الثورة الاخيرة.
ضرورة المساومة مع الواقع السياسي في مصر هي التي دفعتهم ايضا الى قرار طرح مرشح عنهم للرئاسة. وقد كان هذا قرارا صعبا، وحقيقة أن 56 من اصل 108 أعضاء في مجلس الشورى في الحركة عارضوا الخطوة تدل على التردد. وليس هذا مجرد تردد ايديولوجي، أدى إلى تآكل متزايد في مواقف زعيم الحركة محمد بديع المحافظة، والذي بنفسه تطلع الى أن تقلص الحركة نشاطها السياسي. هذا أيضا تردد تكتيكي: هل مرشح عن الاخوان سيشق الحركة؟ أوليس في هذه الخطوة ما يسوغ ترشيح عبدالمنعم ابو الفتوح، العضو الكبير في الاخوان المسلمين والذي طرد من صفوفهم بعد ان طرح ترشيحه للرئاسة؟ وبالطبع مسألة النزاهة العامة في ضوء التعهد الذي نكث.
رغم هذه المسائل ثقيلة الوزن، قررت الحركة التصرف مثل كل حركة سياسية اخرى والقول انها لا تهمل أي ساحة سياسية. في مصر انطلقت منذ الان تقديرات بان الحركة اتخذت القرار كي تلي ذراع المجلس العسكري الاعلى، بعد أن رد هذا طلب الاخوان السماح لهم بتشكيل حكومة جديدة منذ الان. ولكن التهديد بمرشح عن الاخوان ليس بالضرورة مخيفا للجيش الذي لا يزال يمكنه أن يغير تركيبة لجنة صياغة الدستور وهكذا يؤثر على صلاحيات الرئيس الذي سينتخب.
ولكن ليس الجيش وحده هو الكابح. حركات الاحتجاج، الاحزاب العلمانية وشخصيات عامة كثيرة شرعت منذ الان باعمال احتجاجية ضد شكل تعيين لجنة صياغة الدستور. بل ان بعضهم استقال من اللجنة وهم يهددون بصياغة الدستور بأنفسهم، وكذا ميدان التحرير لم يقل بعد الكلمة الاخيرة.