غسان إسماعيل عبدالخالق

قد يكون الراحل شفيق الحوت هو القائد والمثقف الفلسطيني الأكثر صدقاً على صعيد تفسير التأخر الفادح في إقامة الدولة الفلسطينية بالمواصفات التي حلم بها كل الفلسطينيين الشرفاء، فقد ذهب في مذكراته إلى القول بأن تضحيات الشعب الفلسطيني كانت على الدوام أكبر بكثير من كل القادة الفلسطينيين، ولذلك لم تجد هذه التضحيات ، على عظمها، من يترجمها إلى إنجازات على الأرض! هذا التفسير الصادق والموضوعي، ينطبق أيضاً الآن على الثورة السورية وعلى قيادة المعارضة السورية ممثلة في المجلس الوطني وعلى رأسه برهان غليون. فبلغة الكم وبلغة النوع يمكننا القطع بأن الشعب السوري خلال عام الربيع العربي قدّم من التضحيات البشرية والمادية ما لم يقدمه شعب عربي آخر. وهو الشعب العربي الوحيد الذي يستأثر الآن بتعاطف المجتمع الدولي وبعض القوى الاقليمية الفاعلة مثل تركيا، فضلاً عن تعاطف الأغلبية العظمى من العرب والمسلمين بعد أن تم إغلاق ملفات تونس ومصر وليبيا واليمن. وإذا أضفنا إلى ذلك كله حقيقة أن المعارضة السورية تضم في صفوفها عدداً كبيراً من المثقفين والإعلاميين والسياسيين المحترفين ورجال الأعمال، صار في مقدورنا الجزم بأن ما تسجله المعارضة السورية من أهداف في شباك النظام السوري، لا يتناسب أبداً مع حجم التضحيات السورية الخارقة لكل التوقعات أو حجم الدعم الدولي أو حجم الدعم العربي والإسلامي.

أين تكمن المشكلة إذن؟ -ودعك عزيزي القارئ من شماعة إيران وروسيا والصين فقد ثبت أن الأخيرتين عاجزتين تماماً عن التأثير في مجرى الأحداث في ليبيا رغم أنه أهم عندهما من المجرى السوري- المشكلة تكمن حتماً في المعارضة السورية المفسّخة بوجه عام، وفي المجلس الوطني الذي أقحم الثورة والمعارضة في تحالفات ومغامرات متناقضة وغير محسوبة بوجه خاص، وفي برهان غليون الذي يصر على تحصيل كل ما يريد عبر لغة الحرد والتمنّع كما يؤكد أكثر من مصدر موثوق من داخل المجلس الوطني بوجه اخص.

ولنفترض جدلاً، أن ما تنامى إلى أسماعنا وأسماع غيرنا بخصوص آلية تفكير وسلوك رئيس المجلس الوطني هو ضرب من التشويش المتعمد على شخصه، فهل يمكننا أن نتغاضى عن أدائه الإعلامي المهزوز وحضوره غير الكاريزمي على الإطلاق؟! لقد انتحلنا له العذر خلال الأشهر الأولى من الثورة، وقلنا ان الرجل أكاديمي ومثقف نظري ليس له خبرة عملية سابقة في العمل السياسي وأنه بحاجة لبعض الوقت كي يستوعب الدور القيادي الثوري الذي يضطلع به في مواجهة النظام السياسي العربي القطري الأقسى والأكثر استعداداً للقمع والتنكيل، وها هي الشهور تجري واحداً تلو الآخر، فيما أن أداء المفكر العقلاني النقدي ومؤلف (اغتيال العقل) يتراجع إلى الخلف.

في مثل الحالة السورية؛ إما أن النظام قد استعاد سيطرته على الأرض وهذا ليس صحيحاً على الاطلاق، وإما أن الشعب السوري قد استكان وتوقف عن التضحية والمقاومة وهذا ليس صحيحاً على الإطلاق أيضاً، وإما أن قيادة المعارضة رخوة ومترددة وهذا هو الأصح قطعاً. وإلا فكيف يمكن لرجل طيب مثل عبد الجليل مصطفى أن يجتاز بالمجلس الوطني الليبي كل حقول الألغام المحلية والإقليمية والدولية، وأن يسقط نظام القذافي رغم أنه لم يقم في باريس يوماً ولا يجيد التحدث بثلات لغات وليس منظراً معدوداً، فيما أن برهان غليون لم ينجح حتى الآن في توحيد صفوف المجلس الوطني على الأقل؟! قد يقول قائل: لولا الحلف الأطلسي لما تمكن المجلس الوطني الليبي من إسقاط القذافي وأن ما يحدث في ليبيا الآن يؤكد أن المجلس لا يسيطر على الأرض الليبية، وسوف نقول: هذا صحيح، لكن عبد الجليل مصطفى امتلك زمام الأمور تماماً بعد إعلان الثورة على القذافي وتمكن من حشد تحالف دولي واسع قد يكون جزء منه مثار خلاف واعتراض، وأنجز الهدف الرئيسي للثورة وهو إسقاط القذافي، وما يحدث الآن هو تداعيات متوقعة أين هي من تداعيات الثورة الفرنسية قبل أن يجنح المجتمع الفرنسي إلى الديمقراطية بوصفها الخيار الأوحد والوحيد. ونقول أيضاً: إن الثورة السورية والمعارضة السورية تمتلكان من الميزات النسبية البشرية و اللوجستية والاستراتيجية ما يؤهلهما لإسقاط النظام بالضربة القاضية، إلا أن برهان غليون عاجز عن توظيف هذه الميزات لأسباب بسطنا بعضها ولأسباب أخرى لم نبسطها. فلا هو برهان ولا من يحزنون!.