مأمون فندي

سألني كثيرون عن موقفي من ترشح عمر سليمان، رئيس المخابرات في عهد مبارك، ونائبه في اللحظة الأخيرة، والذي انضم إلى سباق رئاسة مصر في اللحظة الأخيرة أيضا، وكانت إجابتي لا لبس فيها، ليس من بين مرشحي الرئاسة في مصر من لديه عصا موسى السحرية ليبحر بمصر في المرحلة الانتقالية إلى بر الأمان، لا عمر سليمان ولا خيرت الشاطر، مرشح الإخوان المسلمين، ولا موسى نفسه، أقصد عمرو موسى. ليس المهم هو الرئيس بالنسبة لمصر اليوم التي تنزلق إلى منحدر خطير، المهم هو طاقم الإدارة الذي سيعاون أي رئيس قد ينتخبه الشعب. مصر تحتاج إلى فريق يطمئن إليه المصريون والعالم على أنه قادر على إدارة المرحلة الانتقالية، وبفريق، هنا لا أعنى الفريق أحمد شفيق، بل أعني فريق عمل يطمئن المجتمع المحلي والدولي بأن مصر في أيد أمينة. وحتى هذه اللحظة لم نعرف من أي مرشح للرئاسة من هو الفريق المعاون له، ففي حالات الأزمات يجب ألا نختار رئيسا فقط وإنما نختار فريق إدارة، أي يعلن كل رئيس محتمل عن طاقم وزارته حتى يتسنى للشعب الحكم على الكفاءة وعلى القدرة. بداية، ومن خلال خبرتنا مع إدارة الأزمات أيام الثورة في الفترة من 25 يناير (كانون الثاني) حتى تنحي مبارك في 11 فبراير (شباط) من العام الماضي، كان هناك عمر سليمان، وكان هناك أيضا أحمد شفيق، وأثبت الرجلان أنهما لا يستطيعان إدارة الأزمة، مما أوصل مبارك إلى يوم التنحي بالصورة المهينة التي حدثت، صورة مهينة لمبارك وللثورة أيضا. ثم جاءت المرحلة الانتقالية التي أوكل فيها مبارك الحكم للمجلس العسكري، تسعة عشر جنرالا بقيادة المشير محمد حسين طنطاوي، والذين أظهروا بما لا يدع مجالا للشك أن معيار الاختيار للمعاونين لدى هذه القيادات لا يبشر بخير، من حيث قدرتهم ومعاونيهم على إدارة الأزمات. كما أن إدارتهم لأزمتي شارع محمد محمود، وماسبيرو، إضافة إلى حادثة تعرية الفتاة في الميدان، توحي بأن الإمكانات لدى هذه القيادات محدودة في أحسن الأحوال. إذا كان هذا ما نعرفه عن سليمان وشفيق، ترى بماذا يوحي خيرت الشاطر مرشح الإخوان أو عمرو موسى أو حمدين صباحي أو أيمن نور؟

بداية، حمدين صباحي، الرئيس السابق لاتحاد طلاب جامعة القاهرة، بدأ تاريخه مع المواجهة المشهورة مع الرئيس السادات، وكان يومها عبد المنعم أبو الفتوح رئيس اتحاد طلاب طب القاهرة، والشاب الذي واجه السادات بفساد معاونيه، يومها قال له السادات laquo;اقعد يا ولدraquo;. لا غبار على الرجلين، ولكن لا نعرف عنهما الكثير من حيث قدرة أي منهما على اختيار طاقم لإدارة البلاد، وليس في كلام أي منهما ما يوحي بأنهما مدركان لمدى الورطة التي نحن فيها. فغير الحديث المطروح في إطار النميمة السياسية التي تقول إن فريقا يضم البرادعي وصباحي وأبو الفتوح سيكون مرشحا لقيادة مصر، أي أبو الفتوح رئيسا وله نائبان البرادعي وصباحي. البرادعي معروف عنه أنه رجل متميز وأدار أعقد المنظمات الدولية بكفاءة في فترة إدارته لوكالة الطاقة الذرية، ومع ذلك وحتى الآن لا نعرف من أي من هؤلاء من سيعاونهم، باستثناء كلام غائم عن توزير (أي أن يعين وزيرا) بعض الشباب والاستعانة بشباب الثورة. أملي أن يفلح الثلاثة في أن يطرحوا تصورات محددة وعلى رأس كل تصور لكل وزارة من يديره ويعرفه، لكن حتى هذه اللحظة تسيطر على المشهد شخصية البطل أو الفرعون الجديد القادم، دونما معرفة من سيعاون الرئيس. البرادعي يصلح أن يكون رئيسا متميزا للوزراء شريطة أن يستخدم المعايير العالمية لاختيار معاونيه، وقد يكون هذا مطمئنا لمصر والعالم بأن إدارة البلاد في المرحلة المقبلة ستكون أفضل من نظام مبارك، وأفضل من حيث الأداء من المجلس العسكري. ولكن المؤشرات حتى الآن غائمة وغائبة. ويجب أن تنصب أسئلة المصريين للمرشحين في المرحلة الانتقالية حول: من سيعاونكم في مهامكم؟ وبناء على الإجابة يختار الشعب المرشح المناسب.

أما خيرت الشاطر فتتلخص مهمته في توضيح الفارق بين حزب الحرية والعدالة والإخوان المسلمين، وماذا ستكون علاقة الرئيس بالمرشد، هل تشبه علاقة خامنئي بأحمدي نجاد في إيران؟ أي أن يكون المرشد هو القائد الأعلى والرئيس ما هو إلا أداة من أدوات المرشد؟ ليس هناك في مصر من يظن أن الفصل الوهمي بين مكتب الإرشاد وحزب الحرية والعدالة إلا واحدة من مهازل هذا الزمان؛ فخيرت الشاطر تم ترشيحه بناء على التصويت في مجلس شورى الجماعة وليس في مقرات حزب الحرية والعدالة، إذن هو مرشح الإخوان وليس مرشح الحزب. وأخيرا فيما يخص الشاطر، هناك مسألتان؛ الأولى تخص تنظيما عابرا للحدود اسمه الإخوان، نعرف أن مركزيته مصر، ولكنه تنظيم عالمي، ولا ندري أين ستكون قيادته غدا؟ ومن الذي سيحرك الشاطر؟ وبناء على أي أجندة؟ هل هي أجندة إخوان لندن أم الأردن أم ألمانيا؟ مصر تريد رئيسا مصريا من حزب مصري وليس رئيسا مختارا من تنظيم عالمي.

رغم أنه ليس لدي شك في أن المجلس العسكري سيدير الانتخابات الرئاسية بذات الطريقة التي أدار بها انتخابات مجلسي الشعب والشورى، والتي شارك في انتخابات الشورى فيها ما يزيد على 6 في المائة من المسجلين للانتخابات، انتخابات حصل فيها بعض النواب على عدد أصوات أكبر من تلك المسجلة بكل الدائرة، وحيث كان التزوير من المنبع على غرار تقسيم الانتخابات بين 50 في المائة عمال وفلاحين، وجزء منها حسب قائمة الأحزاب وجزء منها بالنظام الفردي، بنفس الطريقة التي كان يتحايل بها العنصريون الأميركان لحرمان السود من التمثيل النيابي والمعروفة في علم السياسة بالجريمانرنج أي تقسيم الدوائر الانتخابية بطريقة تضمن لك ما تريد من النتائج، حيث تبدو الانتخابات حرة ونزيهة من حيث التصويت ولكنها مزورة من المنبع.

القضية ليست نقد ما حدث، بل إمكانية أن يكون ما هو قادم أفضل، وحتى هذه اللحظة يغرق المصريون في شخصية مرشح الرئاسة، وليس طاقم إدارة البلاد في فترة حرجة. المجلس العسكري آثر السلامة ولم يحاكم أيا من رموز نظام مبارك، وقرر أن يترك الأمر لمن سيأتي بعده، ومن سيأتي بعد المجلس العسكري لديه مهام كبرى لإصلاح اقتصاد تم نهبه علنا وفي وضح النهار وبالمليارات، إلى نظام تعليمي لم يخرج سوى عقلية العبيد التي سادت فترة حكم الديكتاتوريات الثلاث في عهد مبارك والسادات وعبد الناصر.

أما نكتة الموسم فالرئيس القادم لمصر لا يعرف حدود مهام وظيفته؛ لأن الدستور الذي يحدد تلك المهام لم يكتب بعد، أي أن المرشحين يبحثون عن منصب لا يعرفون ما هو. مرة أخرى لن ينقذ مصر لا عمر سليمان ولا الشاطر أو عصى موسى، مصر تحتاج إلى طاقم إدارة كفء، تحتاج لرجال ونساء أكفاء، وهذا ما يجب أن ينشغل به المصريون، وليس شخص الرئيس.