عصام نعمان

ظاهر الحال في مصر يشير إلى أن الصراع يدور بين ldquo;الدينيينrdquo; من إخوان مسلمين وسلفيين، وrdquo;المدنيينrdquo; من ليبراليين وناصريين ويساريين، وأن عنوان الصراع هو الدستور وانتخاب الجمعية التأسيسية التي ستتولى كتابته . واقع الحال أن الصراع يدور بين ldquo;أهل ثورة 25 ينايرrdquo; بجميع مكوّناتها من جهة، وrdquo;العسكريينrdquo; وفلول نظام حسني مبارك من جهة أخرى، وإن جوهر الصراع هو السلطة بغية تحقيق ldquo;أو عدم تحقيق!rdquo; أهداف الثورة .

ldquo;المدنيونrdquo; يتهمون ldquo;الدينيينrdquo; بمصادرة ثورة 25 يناير للسيطرة تالياً على الدولة ومؤسساتها . يقولون إن المصادرة تجلّت بتأليف جمعية تأسيسية الغالبية فيها للإخوان المسلمين والسلفيين ما أدى إلى انسحاب ldquo;المدنيينrdquo; منها ومن ثم إلى الطعن بقرار تشكيلها أمام محكمة القضاء الإداري التي قضت ببطلانه لأن ldquo;الإعلان الدستوري لم يتضمن أي نص يجيز لأعضاء البرلمان المشاركة في عضوية الجمعية التأسيسيةrdquo; .

ldquo;الدينيونrdquo; كما ldquo;المدنيونrdquo; يتهمون ldquo;العسكريينrdquo; بأنهم وراء ترشيح رئيس الاستخبارات العامة السابق ونائب الرئيس في نظام مبارك اللواء عمر سليمان بقصد ldquo;إعادة إنتاج النظام السياسي السابق الذي رفضه الشعبrdquo; .

ثم إن ldquo;المدنيينrdquo; كما ldquo;الدينيينrdquo; يشتركون في اتهام ldquo;العسكريينrdquo; بأنهم يتربصون بأهل ثورة 25 يناير بكل مكوّناتها ويخططون لمنع وصول أي مرشح لرئاسة الجمهورية من صفوفها، سواء كان من ldquo;المدنيينrdquo; أو من ldquo;الدينيينrdquo; . يقولون إن خطة المجلس العسكري في هذا المجال تكمن في إعمال المادة 28 من الإعلان الدستوري المتعلقة باللجنة المكلفة الإشراف على انتخاب رئيس الجمهورية وإعلان الفائز وإبرام انتخابه لأن قرارها نهائي وغير قابل للطعن أو المراجعة . ويخشى ldquo;المدنيونrdquo; وrdquo;الدينيونrdquo; أن تقوم لجنة الإشراف الممالئة للمجلس العسكري بالتغاضي عن أعمال التزوير وبالتالي إعلان أحد المرشحين المدعومين من ldquo;العسكريينrdquo; وفلول مبارك فائزاً بالرئاسة .

للرد على احتمال تغوّل المجلس العسكري في انتخابات الرئاسة، قدم نواب الإخوان المسلمين والسلفيين، بالتعاون مع النواب ldquo;المدنيينrdquo;، مشروع قانون إلى البرلمان (مجلسي الشعب والشورى) أقرته لجنته الدستورية والتشريعية يقضي بمنع كل ldquo;من عمل خلال السنوات العشر السابقة على 11 فبراير/ شباط 2011 في أي وظيفة قيادية في مؤسسة رئاسة الجمهورية أو الحزب الوطني الديمقراطي المنحل من أن يتولى منصب رئيس الجمهورية أو نائبه أو رئيس الوزراء لمدة عشر سنواتrdquo; . مشروع القانون هذا من شأنه منع أقطاب نظام مبارك، وفي مقدمهم اللواء عمر سليمان، من الترشّح في انتخابات الرئاسة . حكومة الجنزوري ومن ورائها المجلس العسكري تحفظت على مشروع القانون . لكن، حتى لو جرى اقراره في البرلمان، يلزم لتطبيقه تصديق المجلس العسكري الذي يمارس صلاحيات رئيس الجمهورية خلال 30 يوماً .

بينما يعتمد ldquo;الدينيونrdquo; البرلمان، حيث يتمتعون بالأغلبية، أداةً رئيسة في الصراع ضد ldquo;العسكريينrdquo; وحلفائهم من أركان نظام مبارك، يعتقد قياديون ناشطون في صفوف ldquo;المدنيينrdquo; أن ذلك لا يكفي لكون قرارات البرلمان تستلزم تصديق المجلس العسكري الذي يمارس صلاحيات رئيس الجمهورية ولا يمكن، تالياً، الركون إليه . أكثر من ذلك، يرى هؤلاء القياديون، وفي مقدمهم النائب السابق الدكتور جمال زهران، أن ثمة مخططاً لإعادة إنتاج النظام السابق ينطوي على الإجراءات والخطوات الآتية:

* أولاً، الحؤول دون وصول أغلبية في البرلمان مناهضة للمجلس العسكري سواء من ldquo;المدنيينrdquo; أو ldquo;الدينيينrdquo; . وفي حال وجود أغلبية مناهضة له، الضغط على المحكمة الدستورية العليا لتعجيل البت في الطعن المقدم من الدكتور جمال زهران وغيره ضد القانون الذي جرت بموجبه انتخابات مجلسي البرلمان وذلك لعلة لا دستوريته . الأمر المهم في هذه الخطوة هي توقيتها: هل تجري قبل انتخابات الرئاسة أم بعدها؟ ذلك أن الطعن مكتمل الشروط القانونية والحكم ببطلان قانون الانتخابات يبدو متوجباً وأكيداً .

* ثانياً، تكثير المرشحين الإسلاميين والليبراليين للرئاسة بغية تأجيج الصراع في ما بينهم وبعثرة الأصوات وذلك باستخدام استطلاعات الرأي الملغومة على نحوٍ يساعد المجلس العسكري وحلفاؤه على الإيحاء بأن الناخبين يتجهون لتأييد مرشحهم .

* ثالثاً، استخدام لجنة الإشراف على انتخابات الرئاسة لتغطية أعمال التزوير التي سيقوم بها خصوم المرشحين الليبراليين والإسلاميين وصولاً إلى إعلان انتخاب مرشح للرئاسة موالٍ العسكريون وحلفاؤهم وتحصينه سياسياً وأمنياً .

* رابعاً، إعادة انتاج نظام مبارك من خلال رئيس الجمهورية الجديد وحكومته وسياساتها في شتى المجالات .

* خامساً، تمديد ولاية المجلس الأعلى للقوات المسلحة لأطول مدة ممكنة، لاسيما في حالتي إبطال قانون الانتخابات وحل البرلمان، أو تأجيل انتخابات الرئاسة نتيجة اندلاع اضطرابات سياسية وأهلية .

لتفادي هذه التحديات والمطبات وحماية ثورة 25 يناير وأهدافها يدعو الدكتور جمال زهران ورفاقه إلى إنشاء قوة ثالثة من القوى الوطنية والعروبية والديمقراطية والاجتماعية الملتزمة مشروع إقامة دولة مدنية ديمقراطية على أساس حكم القانون والعدالة والتنمية، والتحالف مع قوى المقاومة والتحرير والتقدم والسلام العادل في عالم العرب والعالم الأوسع .

الى ذلك، يرى دعاة ldquo;القوة الثالثةrdquo; العتيدة أنه في الإمكان التوفيق بين المرشحين الإسلاميين والليبراليين باعتماد واحدٍ من بينهم، مرشحاً مشتركاً للرئاسة وآخر لنيابة الرئاسة، فيكون من شأن هذا التدبير العملي مواجهة ldquo;العسكريينrdquo; وفلول مبارك من دعاة إعادة إنتاج النظام السابق بجبهة موحدة عريضة القاعدة، فاعلة ومؤهلة للفوز والإصلاح والبناء والتنمية .

هناك من يرى في مصر أن جهوداً تبذل لإعادة إنتاج النظام المصري السابق ممثلاً بوجه جديد هو رئيس الاستخبارات السابق عمر سليمان كمرشح لرئاسة الجمهورية .