عبد الوهاب بدرخان
ما بعد جلسات مناقشة الحكومة لن يختلف عما قبلها. فمجلس النواب منح ثقة لا معنى لها الى حكومة أمعن أنصارها وخصومها في تهشيمها. أما الثقة الشعبية فباتت مفقودة سواء بالمجلس أو بالحكومة، خصوصاً مع تصاعد النقمة والدعوات الى الاضراب في قطاعات عدة. وإذا كانت جلسات المناقشة أعادت تظهير الواقع المأزوم بانقساماته المعروفة، فإنها عكست خلافات داخل كل من الأكثرية والمعارضة، ولفتت أيضا الى خلافات داخل مجلس الوزراء، إلا أن مهزلة الثقة أعادت كل طرف الى اصطفافه السياسي، وأبقت السؤال مفتوحاً: ما دامت الحكومة تمتعت منذ ولادتها بهذه الثقة فما الذي منعها من العمل، وهل الثقة المجددة ستعني في المرحلة المقبلة عملاً وانتاجية؟
بدأ الجميع يفكر في انتخابات ربيع 2013، وهذا وحده حافز لتنشيط الحكومة وتقليل المناكفات بين مكوّناتها، لا لمصلحة عموم المواطنين وإنما لتمرير انجازات يمكن أطراف الحكومة استثمارها انتخابياً. فالهدف ليس الحفاظ على الأكثرية الحالية وتثبيتها بل زيادة عددها... من دون رهنها بالحاجة الى كتلة وليد جنبلاط. واذ أظهرت quot;الثقةquot; أن هذه الحكومة تستطيع البقاء حتى الانتخابات، بل الاشراف عليها، فهذا هو الوضع الأمثل لاجراء انتخابات هدفها المؤكد جعل quot;14 آذارquot; أقلية فعلية لا أمل لها في تشكيل حكومة ناهيك عن المشاركة فيها. وثمة دوافع كثيرة: فالتيار العوني يخوض تجربته الحكومية والبرلمانية بهياج وجلافة لأنه غير واثق بالمعركة الانتخابية المقبلة. ورئيس الحكومة وحليفه اللدود وزير المال يريدان الفوز في طرابلس من دون quot;وصايةquot; سعد الحريري. أما quot;حزب اللهquot; وحركة quot;أملquot; فمهمتهما السيطرة مئة في المئة على المقاعد الشيعية، ومن ثم تحقيق ما أمكن من اختراقات لدى السنّة.
المجهول في هذا الطموح هو أي اتجاه تتخذه التطورات في سوريا وكيف يمكن ان ينعكس على لبنان وضعاً حكومياً وانتخابات. ولا داعي للتكهنات ما دام الحدث متفاعلاً، غير أن توظيف الحكومة لتخصيب الأكثرية الحالية ينطوي على شعور مضمر لدى المخطّط ndash; quot;حزب اللهquot; ndash; بأن الرهان على بقاء النظام السوري لم يعد واقعياً. وبالتالي فإن وكلاءه، أي فلول هذا النظام، يريدون انتاج وضع داخلي من صناعتهم يتصرف لبنانياً كما لو أن النظام السوري باقٍ، وإذا احتاجوا الى دعم وضمان فليس لهم سوى إيران وقد يضاف اليها quot;عراق نوري المالكيquot;. فالمطلوب انتخابات ثأرية لفرض هيمنة طويلة المدى.
يبقى ان هذه الانتخابات تحتاج الى قانون جديد لتحقق الهدف. فالجميع يريدون هذا القانون ويخشونه في آن، إلا إذا فصّل ليناسب كل المؤسسات. يقولون إنه يجب أن يكون quot;عصرياًquot; وهم ليسوا عصريين بدليل أنهم هربوا منquot;مشروع فؤاد بطرسquot;. ويطرحون الدائرة الواحدة مع النسبية مع وجود التوزيع الطائفي، زاعمين أن هذا المشروع يذوّب الانقسامات الراهنة، لكنهم يطرحونه للاستفادة من هذه الانقسامات. الجميع أمام أحجية، وليس لديهم حلّ، لا عصري ولا وطني.
- آخر تحديث :
التعليقات