عبد الرحمن الراشد

اللغط حول توجهات نوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي، قديم منذ رئاسته الماضية، وكان مصدر الخلاف مع بعض القوى السياسية، وتحديدا مع قائمة خصمه إياد علاوي، laquo;العراقيةraquo;، ومع بعض الصدريين. وفي الآونة الأخيرة، اتسعت دائرة نزاعاته مع بقية القوى، واختلف مع حلفائه الذين مكنوه من رئاسة الوزراء الأولى، وتحديدا الأكراد، واقترب أكثر من المعسكر الإيراني المحافظ في طهران، بعد خروج الأميركيين الذين كانوا يرون في المالكي حينها شخصا مقبولا.

ومن الطبيعي أن تكون العلاقة بين بغداد وطهران جيدة بعد سقوط نظام صدام، ولا خلاف على ذلك، إنما أن تبلغ مرحلة التحالف الوثيق، فهذا عمليا سيغير الخارطة السياسية للمنطقة، أعني تحالفاتها الإقليمية والدولية. ولا يمكن أن نبني على التصريحات الصادرة من طهران - كتصريحات محمد رضا رحيمي النائب الأول للرئيس الإيراني الذي دعا إلى إقامة اتحاد تام بين العراق وإيران - على أنها تعبر عن مشروع تحالف بين البلدين، إنما الأفعال لاحقا ستكون هي الحكم.

أما لماذا يختار المالكي أن يتحالف مع طهران؟ أمر محير.. فإيران بلد محاصر دوليا، ومهدد بحرب كبيرة بسبب برنامجه النووي، وفقير اقتصاديا، ولا يملك شيئا يمكن أن يعطيه للعراق في المقابل؛ بل ستنقل إيران إلى العراق أمراضها من صراعات طائفية وإقليمية، ومع الغرب، علاوة على أن التعاون الاقتصادي مع طهران من المؤكد أنه سيعرض العراقيين للمقاطعة الاقتصادية الدولية، ويعيدهم للمربع الأول الذي عانوا منه في زمن صدام.

تفسيري لكل ما يفعله المالكي أنه يكمن في حرصه على الفوز في الانتخابات البرلمانية المقبلة. كل شيء يقوم به يصب في هذا الاتجاه، فهو يريد تعديل الدستور ليسمح له، بوصفه رئيس وزراء مرتين، أن يتقلدها للمرة الثالثة، لذا سعى لتعطيل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات. وبغية كسب الرئاسة، يهيمن على مواقع القرار كلها، ووضع كل الوزارات المهمة تحت يده؛ الدفاع والأمن والاستخبارات والمالية والنفط والبنك المركزي، وقام بإقصاء الذين ضده من مناصبهم؛ الهاشمي نائب رئيس الجمهورية، والمطلك نائب رئيس الوزراء، وسافر إلى واشنطن لطمأنة الأميركيين، والآن حل في ضيافة طهران. وطهران بالنسبة له مفتاح الحكم، فهي التي منحته رئاسة الوزراء عندما خسر حزبه وحصل فقط 89 مقعدا، وتفوقت عليه قائمة علاوي، ورفضت حينها معظم الأحزاب الشيعية أن تقبل بالتحالف معه ليكون رئيسا للوزراء حتى طار بعدها لطهران مستنجدا بالقيادة هناك. طهران تدخلت ومارست الضغط على حلفائها في الائتلاف العراقي الموحد الذي يملك مجتمعا 128 مقعدا ليصوت للمالكي رئيسا للحكومة ضد منافسه المفضل عند الأغلبية، أي إبراهيم الجعفري. وهكذا بفضل إيران كسب رئاسة الحكومة.

وإذا كان المالكي يخطط لهدف الفوز في الانتخابات والفوز برئاسة ثالثة من خلال ضمان دعم الإيرانيين له، فهذا سيتطلب منه تقديم الكثير من التنازلات لهم.. سيستخدمه الإيرانيون لأغراضهم الإقليمية في صراعاتهم المتعددة، وسيجلبون عليه وعلى العراق إشكالات جمة.. سيجعلونه خصما لقوى عالمية أكبر تأثيرا من الذين تخلص منهم من زملائه في الحكومة أو في النظام العراقي.

وهذا يفسر انخراط المالكي في المعارك الإقليمية؛ أولا سوريا والآن إيران. وهذا التورط الطوعي سيهدم الحلم العراقي، حيث كان حلم العراقيين الابتعاد عن المغامرات الخارجية التي أرهقهم بها صدام، والتفرغ لبناء العراق. العراق أغنى بلد عربي بالموارد، وأفقر شعب. وبسبب التسابق على كرسي الحكم، يجر المالكي بلاده تدريجيا نحو مستقبل مظلم ليس في حاجة إليه، ويتحول برغبته، أو من دونها، إلى مشروع إيراني لا عراقي.