ناجي صادق شراب

أثارت الرسالة التي بعثت بها الرئاسة الفلسطينية إلى رئيس وزراء الكيان كثيراً من الجدل والنقاش والتوافق والاختلاف، فالبعض رأى فيها شكلاً من التفاوض، والبعض الآخر رأى فيها شكلاً من التنازل أو الاستجداء الفلسطيني، والبعض الآخر رأى فيها موقفاً فلسطينياً قوياً، وتحذيراً حاسماً لـ rdquo;إسرائيلrdquo; بأن الفلسطينيين لن يقفوا مستسلمين ساكنين وهم يرون ldquo;إسرائيلrdquo; تستمر في سياساتها الاستيطانية واضعة نهاية لحل الدولتين، وفارضة رؤيتها للسلام باستكمال الجدار، ومن ثم اختزال السلطة في إطار حدودي ضيق مكررة تجربة غزة نفسها، وبعدها يبحث الفلسطينيون في الضفة عن حل أو سلطة بحكم الأمر الواقع، متجاهلين غزة على اعتبار أن مشكلة غزة قد حلت بحكومة ldquo;حماسrdquo; الحريصة على الحفاظ عليها، ولتكن دولة فلسطين المستقبلية كينونتها غزة .

والآن، وبعد أن سلّمت الرسالة فلا يعتقد أن تكون استجابة ldquo;إسرائيلrdquo; إيجابية . وجاء الرد الأولي شرعنة ثلاث بؤر استيطانية، والاستمرار في طرح المزيد من المناقصات الاستيطانية .

وقبل الحديث عن الخيارات، لا بد من التساؤل، ما الذي قد يدفع ldquo;إسرائيلrdquo; إلى تقديم مبادرة اكثر إيجابية أو ترد على الرسالة الفلسطينية كما يريد الفلسطينيون؟ يبدو أن توقيت الرسالة لم يكن في مصلحة الفلسطينيين وخياراتهم، فنتنياهو في وضع سياسي أفضل وأقوى من ذي قبل، وحكومته ليست بعيدة عن الانتخابات سواء المبكرة أو في وقتها المحدد، وبالتالي من المستبعد أن يقدم نتنياهو على خطوة قد تضر بموقفه السياسي وتخسره الانتخابات القادمة وهي أولوية ldquo;إسرائيليةrdquo; في هذه المرحلة .

والعامل الثاني الذي يعمل في مصلحة ldquo;إسرائيلrdquo; هو سنة الانتخابات الأمريكية التي تخضع فيها الرئاسة الأمريكية لضغوط اللوبي الصهيوني، وعدم التوقع ممارسة أي ضغط على ldquo;إسرئيلrdquo;، بل العكس يمكن توقع هذا الضغط على السلطة الفلسطينية حتى تبدي مزيداً من التراجع السياسي أو تحد من خيارات ما بعد الرسالة، وقد تأتي الانتخابات الرئاسية الأمريكية بالمرشح الجمهوري، وهو ما يعني الانتظار سنة أخرى من إعادة ترتيب أوراق الإدارة الأمريكية الجديدة، وهذا يعني تجميد الدور الأمريكي الذي سيعمل في مصلحة الموقف ldquo;الإسرائيليrdquo; . إذاً، لا داعي للاستعجال ومنح الفلسطينيين وهم في حالة انقسام أي مبادرات جديدة .

ومن ثم يبقى الرد والخيار ldquo;الإسرائيليينrdquo; في كسب مزيد من الوقت، وفرض مزيد من الوقائع على الأرض وصولاً إلى فرض حالة سياسية يصبح الفلسطينيون أمامها غير قادرين على فعل أي شيء .

وبالمقابل توجد عوامل قد تدفع ldquo;إسرائيلrdquo; للرد بإيجابية أكبر، ومن ذلك مدى قناعة نتنياهو بأن الفلسطينيين جادين في ما يقولون، وأن الرسالة ليست مجرد رسالة بروتوكولية عادية، بل هي تتضمن قولاً وفعلاً فلسطينياً صادقين، إذا أدركت ldquo;إسرائيلrdquo; ذلك تكون الرسالة قد حققت أحد أهم أهدافها، خصوصاً أن أي خيار فلسطيني ستكون له تداعيات مباشرة على ldquo;إسرائيلrdquo; أياً كان هذا الخيار، وهذا ما ينبغي أن يدركه الفلسطينيون، والأمر الثاني إدراك ldquo;إسرائيلrdquo; للتداعيات السياسية للتحولات العربية وتأثيرها في كل خياراتها، خصوصاً خياراتها العسكرية مع إيران . أعود للتساؤل ثانية: ما خيارات السلطة الفلسطينية بعد الرسالة؟ على الرغم من أن خيارات القضية الفلسطينية كثيرة ومتعددة بتعدد مكوناتها ومستوياتها، لكن تبقى هذه الخيارات محدودة . وبعيداً عن خيار المصالحة الذي بات بعيداً وسيلقي بالتالي آثاره على كل الخيارات الفلسطينية بالسلب . يبقى أمام السلطة الفلسطينية والرئيس عباس خياران أساسيان مع استبعاد بعض الخيارات كخيار حل السلطة لأن تكلفته السياسية أكبر من أن يحتملها الفلسطينيون، وبسبب الإنقسام الذي قد يعني حل السلطة في جانب وبقائها في جانب آخر، كأننا لم نفعل شيئاً، واستبعاد خيار الوصاية الدولية لأنه لم يد فاعلاً الآن وقابلاً للتطبيق، وكان يمكن تصوره في وقت نشوء القضية الفلسطينية، وبديلاً عنه خيار تفعيل المسؤولية الدولية، وصعوبة خيار إلغاء إتفاقات أوسلو لعدم القدرة على ذلك .

وفي ظل المعطيات ldquo;الإسرائيليةrdquo;، وفي ضوء الرد ldquo;الإسرائيليrdquo;، إذا كان بالإيجاب ولو جزئياً فهذا يعني استئناف خيار المفاوضات، أما إذا جاء الرد سلبياً يبقى أمام السلطة الفلسطينية خيار تفعيل الشرعية الدولية، وخيار تفعيل طلب العضوية في الأمم المتحدة، بالتوازي مع خيار تفعيل المقاومة الشعبية والمدنية، وخلق قوى ضغط داخل ldquo;إسرائيلrdquo; وخارجها انتظاراً لموقف عربي أكثر وضوحاً، ودور أمريكي وأوروبي بعد الانتخابات الأمريكية . ويبقى الاستعداد أن كل من هذه الخيارات قد تدفع في إتجاه خيارات غير متوقعة .

إن صعوبة الخيارات الفلسطينية ليس في اتخاذها، ولكن في مكوناتها غير الفلسطينية . وأخيراً يبدو أن خيارات ما بعد الرسالة ستكون أصعب بكثير من خيار ما قبل الرسالة وتسليمها .