رشيد بن حويل البيضاني


في الوقت الذي تسعى دول العالم إلى قيام تكتلات إقليمية وكيانات سياسية قوية، حيث لا مكان للضعفاء في العصر الحديث، نجد الدول الإسلامية والعربية تختلق من المشكلات ما يباعد بينها، ويوهن من قواها، ولا يمكن أن يكون واقعنا هذا من قبيل ما يطلقون عليه laquo;المصادفةraquo; ، وإنما أنا على يقين من أن المسألة laquo;بفعل فاعلraquo; ، وأن ثمة قوى ذات مصلحة، وراء كل ما يحدث من توتر للعلاقات الحميمية التاريخية بين المملكة والشقيقة مصر.
وكنت قد شرعت في كتابة مقال عن ثوابت الدبلوماسية السعودية التي تستمد أصولها وجذورها من قيمنا الإسلامية وتقاليدنا وأعرافنا العربية الأصيلة، وذلك تعقيبا على ما لمسته من نشاط محمود لسفيرنا في القاهرة، وقد شاهدت جزءا من لقاء له في إحدى الفضائيات، وكيف أنه فند المزاعم المثارة بلا حق ودون أدلة في قضية المواطن المصري المحتجز أحمد الجيزاوي وأوضح كم الشائعات والمغالطات والإثارات المتعمدة التي تتناقلها وسائل الإعلام دون تدقيق أو تمحيص.
ثم جاءت تداعيات القضية، فكانت تلك المظاهرات وما رافقها من محاولات الاعتداء على السفارة السعودية في القاهرة، وما حمله المتظاهرون من لافتات تسيئ إلى بلادنا، لكنها في الوقت نفسه لا تمثل الشعب المصري الذي نعرفه على مدى التاريخ.
وفي اعتقادي أن قرار خادم الحرمين الشريفين باستدعاء السفير السعودي للتشاور لا يمثل تصعيدا من الجانب السعودي، بقدر ما يمثل انتزاعا لفتيل الأزمة، وتهدئة لها، وحتى لا يتهور بعض هؤلاء المندفعين بفعل الإثارة الإعلامية والتحريض المتعمد، لمحاولات اعتداء على الأنفس أو الممتلكات، مما يؤدي إلى عواقب لا يعلم مداها إلا الله تعالى، وهو في الوقت نفسه laquo;عرف سياسيraquo; متبع في العلاقات الدولية، حتى تراجع الأطراف مواقفها وتتبين مسالكها، وتتجلى الحقائق.
لقد أكد السفير السعودي في القاهرة على ثوابت السياسة السعودية المستمدة من إسلامها وتقاليدها التي لا تبيح لها التدخل في شؤون الأشقاء، وضرب مثالا للرد على الزاعمين بعداء المملكة للثورة المصرية، باستمرارية العلاقات بين البلدين في أيام الملك، وعبد الناصر، والسادات، ومبارك، وأن هذه العلاقات ستستمر مع أي نظام يختاره الشعب المصري الشقيق، فلا مصلحة لنا في تأييد مرشح أو دعم نظام بعينه، فالمملكة تدعم الشعب المصري لا الأنظمة، كما أشار إلى وجود محتجزين سعوديين بالسجون المصرية، ومنهم من صدرت ضده أحكام بالسجن المؤبد، فلم نسمع بمظاهرة سعودية في الرياض ضد السفارة المصرية، ولم تحتج السلطات عندنا على تطبيق القانون المصري على أي خارج على نظم البلاد وقوانينها.
المطلوب الآن تدخل العقلاء من الجانب المصري خاصة لردع هؤلاء المدفوعين عن قصد أو غير قصد، حتى تأخذ العدالة مجراها، وتتضح خبايا قضية المواطن المصري الذي لابد أن توفر السلطات السعودية له كل الحقوق الإنسانية والقانونية.
ومطلوب أيضا من جانبنا سرعة الانتهاء من هذا الملف والشفافية في معالجته، والصراحة في التعامل معه، وإعلان الحقائق للعالم أجمع.
إن علاقات الدين والعروبة والجوار والنسب والعمل وغيرها مما يربط بين شعبى البلدين، أكبر وأقوى من أن تهزها قضية مواطن من هنا أو هناك، سواء أكان على حق أم على باطل.
فلماذا هذا التهور والاندفاع وراء الشائعات وخلق مشكلات من لا شيء لولا وجود دوافع تدفع هؤلاء المأجورين للإساءة والضرر بمصلحة البلدين الشقيقين، فهذا العمل يضر بمصالح مصر قبل السعودية، إنها الفتنة تسحب الفتيل والبساط من تحت هؤلاء المرجفين.. أجاد خادم الحرمين الشريفين من حسن تصرف وحكمة بالغة وحتى لا يصل الأمر إلى طريق مسدود.