عدنان ابو زيد: يثير افتتاح أول حسينية للشيعة في مصر غضب مؤسسات دينية بينها الأزهر ونقابة السادة الأشراف مثلما يثير ذلك حفيظة مسلمين من الطوائف الأخرى.وفي الضد من ذلك فان شيعة مصر والعالم يرون في الامر لا يعدو كونه حقا طبيعيا تكفله حرية الدين والمعتقد. واذ يستنكر الأزهر وعلماؤه وأعضاء مجمع البحوث الإسلامية، ووزارة الأوقافrlm; ونقابة الأشراف، في بيانات زيارة العالم الديني الشيعي اللبناني الشيخ علي الكوراني لمصر،rlm; وقيامه بعقد ندوات دينية خاصة داخل بيوت عدد من الشيعة في القاهرة والمدن الاخرى، فان شيعة مصر والعالم يستنكرون الحساسية المفرطة تجاه ممارستهم شعائرهم الدينية.

وكان الكوراني ألقى اثناء زيارته الى مصر محاضرات بشرت بظهور المهدي المنتظر ونسبه وذريته، كما عرج في احاديثه على قضايا خلافية بين المذاهب بحضور حشد كبير من الشيعة المصريين.
ونشر مقطع فيديو على موقع (يوتيوب) يُظهر حسينية في مصر شهدت طقوسا ( شيعية ) بينها ما اعتاد البعض على تسميته ب (اللطمية ).
وفي الوقت الذي اكد فيه الكاتب والباحث في الشأن الشيعي محمود جابر ان الكوراني لم يزر مصر لانه مرجعية دينية بل لانه متخصص في قضية الغيبيات واهمها قضية quot;الظهور المباركquot; للامام المهدي ndash; على حد تعبيره - حيث سعى الكوراني في زيارته الى التحقق من بعض العلامات الكونية حول الظهور الذي يرتبط بأرض مصر.
غير ان حوارات أجرتها ايلاف مع نخب مثقفة وكتاب رأي في الميديا العربية، تظهر خشية من الابعاد السياسية للنشاط الشيعي في مصر، ولا يخفي البعض اعتقاده ان ايران تسعى ربما عبر الواجهة الدينية الى تعزيز نفوذها في مصر، ولاسيما أن الدكتور راسم النفيس طلب من لجنة شؤون الأحزاب السماح له بإنشاء أول حزب شيعي مصري وهو حزب quot;التحريرquot;، حيث جوبه طلبه بالرفض رغم نفي النفيس عن الحزب الصفة الدينية.
وكان أول بيان للتيار الشيعي في مصر صدر في الثامن من فبراير من العام الفارط، مع بداية الثورة، تضمن مطالب بقيام دولة مدنية ديمقراطية.
كما نجح شيعة مصر في ميدان التحرير خلال الثورة من الاعلان عن انفسهم بصورة جلية عبر اقامة الشعائر الحسينية ورفع شعارات (لبيك يا حسين ) عبر مكبرات الصوت واليافطات.
وفي الوقت الذي يؤكد فيه رجل الدين الشيعي المقيم في هولندا مصطفى الحسني في حديثه الى ( إيلاف ) ان تواجد الشيعة هو امر طبيعي في مصر، وما زال التأثير الفاطمي يظهر في مصر أثناء شهر رمضان والأعياد لافتا النظر الى ان ( قدر ) التاريخ ان ينحسر التواجد الشيعي في ارض الكنانة وهي التي شهدت قيام دول شيعية عادلة هي الدولة الفاطمية حيث كان جل اهل مصر يعتنقون المذهب الشيعي بحسب تعبيره.
ويعتقد الكاتب ماهر فرغلي إن الغياب التام للدولة، وانهيار الجدار الأمني، كانا العاملين الرئيسين في هذا الظهور الذي لم يكن للشيعة وحدهم بل لمئات الائتلافات والتنظيمات التي استغلت هذه الحالة في تكثيف نشاطها وظهورها، ومنها التيارات الشيعية التي اعتمدت على إستراتيجية تضمنت استغلال المناسبات الدينية والتغلغل بين البسطاء سياسياً واجتماعياً.
لكن الشيخ قادر محمد وهو امام مسجد في هولندا من اصول مغربية يرد على الحسني وهو يتحدث الى (ايلاف) بالقول ان محاولات نفاذ الشيعة الى المجتمع السني تجري على قدم وساق، مدعومة بأجندة ايرانية ودول اخرى، منتقدا هذه المحاولات بالقول ان تمكن الشيعة من ايجاد موطئ قدم لهم في مصر والمغرب العربي سيجابه بالحذر والتصدي، ولاسيما انه يحمل اجندة ( فتنة ) على حد وصفه.
عبدالوهاب بدرخان: ليست ظاهرة مستهجنة
ويشدد الكاتب والمفكر اللبناني عبدالوهاب بدرخان في حديثه الى (ايلاف) على ان افتتاح حسينية كمكان للعبادة لا يشكل ظاهرة مستهجنة. لكن الأمر بحسب بدرخان يختلف حين يتموضع اتباع الشيعة، ولا سيما المحدثين منهم، للبحث عن موقع على الخريطة السياسية في مصر أو سواها لمجرد أنهم شيعة، ومن ثمّ أن يظهر أنهم تشيّعوا في سياق تسيّسهم ايرانياً، هنا تصبح الاشكالية واضحة في أنها نوع من الاختراقات الايرانية التي تصطاد حفنة من الانتهازيين وتبدأ كتديّن بحت قبل أن تتحوّل الى نشاط سياسي تعبوي والى نسخة محلية لـ quot;حزب اللهquot;.
لكن السياسي العراقي المستقل عادل اللامي يعتقد في حديثه الى ( ايلاف ) ان من حق (اقلية) شيعية في مصر ان تفتح دار عبادة خاص بها.
التأثير السلبي
ويتحدث محمد الوادي عضو مركز تطوير الاتحاد الاوروبي الى ( ايلاف ) متسائلا عن مدى تأثير افتتاح حسينية في بلد مثل مصر معروف بثقله العربي والاسلامي. ويستطرد قائلا : ما التأثير السلبي المتوقع جراء ذلك اذا اخذنافي الاعتبار ان الحضور كانوا من الشيعة المصريين وفي الجانب الانساني والمدني وحتى الديني يجب ضمان حرية الفكر والمعتقدات للافراد طالما لا يتعارض ذلك مع شروط المواطنة ولا يؤثر في الفئات الاخرى.
ويقف الوادي عند جوهر المشكلة ndash; كما اسماها ndash; فيقول ان الخلاف لا يتعلق ببناء حسينية او زيارة رجل دين شيعي الى مصر بل جوهر المشكلة تلك الطائفية التي بدأت تستوطن فكر شريحة واسعة من مجتمعنا العربي لغرض اشغاله عن واقعه المرير وكذلك اشغاله عن التغيرات والتقسيمات الخطيرة التي ترسم لمنطقتنا.
وينظر الكاتب العراقي جمال الخرسان الى القضية على انها نتاج طبيعي للتشنج الطافح الى السطح بين سياسة المحاور من جهة وبين النبش في الماضي بين القنوات الدينية المتطرفة من جهة اخرى، ونتيجة للتشويه الذي يتعرض له الشيعة على يد الاعلام العربي.
ويتابع في حديثه الى ( ايلاف ) : اصبحت مسألة افتتاح quot;حسينيةquot; تحتاج لسلسة طويلة عريضة من الموافقات، وربما يتعرض لموجة من الاعتراض وسلسلة من الفتاوى، ان ذلك يعكس حجم الهوة في النسيج الاجتماعي لمعظم البلدان العربية التي تعيش تنوعا مذهبيا عرقيا.
اياد الدليمي : السباق المذهبي
ويدلو الصحافي والكاتب العراقي المقيم في قطر اياد الدليمي بدلوه في الموضع متحدثا الى ( ايلاف ) عن ان انشاء اول حسينية للشيعة في مصر يمثل مؤشرا على المسعى الايراني للتغلغل، وهو ما يؤشر ايضا الى وجود تراخ من قبل السلطة الحالية في مصر تجاه السباق المذهبي الذي تسعى اليه ايران، واذا ما حصل ذلك، فاعتقد ان مصر ستكون مستقبلا امام خطر التشرذم المذهبي الذي لم يسبق ان عانت منه مصر.
خيرالله خيرالله: مآرب سياسية
وليس ثمة سبب يمنع اقامة حسينية في القاهرة بحسب حديث الكاتب والصحافي اللبناني خيرالله خيرالله الى ( إيلاف )، لكن المهم في ( مكان العبادة ) ان لا يخفي اهدافا ومآرب سياسية تقف خلفها دولة مثل ايران تعمل على إثارة الغرائز المذهبية.
سعد محيو: الضجة الكبرى
ويسخر الكاتب والصحافي سعد محيو من ( الضجة الكبرى ) حول حسينية شيعية في مصر، وينتقد استمرار العرب ليس في خلق الأساطير وحسب، بل أيضاً العيش في داخلها في صيغة حروب أهلية دموية لاتنتهي.
وتساءل متحدثا الى ( ايلاف ) : وهل قَدَر هذه الأمة أن تكون دوماً كالعميان السُذَّج الذين يقودهم عميان مرضى بجنون التعصُّب؟. الأمر في مصر والمنطقة العربية- الإسلامية أشبه بفيلم مُمِل يعيد نفسه منذ 1350 سنة، مع فارق وحيد: في كل إعادة، ثمة كابوس مُتجدد.
محاولات التشييع
الكاتب والاكاديمي أسامة عثمان يبقي الجدل السني الشيعي في إطاره الطبيعي، ما لم يُوظَّف سياسيا، وبما أن الحديث يدور عن تداعيات محاولات التشييع في مصر، فإن حظوظ هذه المحاولات ستبقى محدودة ما لم تتبنَّها إيران، وتدعمها ماليا وإعلاميا، هي وحلفاؤها، في المنطقة.
ويتابع متحدثا الى ايلاف : إذا قررت طهران ذلك (وهي لا تتورع عن استخدام هذه الورقة، كما كان مع الحوثيين، في اليمن، وكما في البحرين...) فإنها لا تفعل ذلك؛ حرصا على نصرة المذهب الشيعي، دينيا، ولكن، سياسيا؛ لتوسيع نفوذها، أو إيجاده، ابتداء.
ويستطرد عثمان في حديثه : ولا يُستبعد ذلك، ولا سيما، إذا تصاعدت الانقسامات المذهبية الطائفية، في المنطقة، ولكن على طهران حينها، أن تختار بين خطاب laquo;المقاومة والممانعةraquo; الذي يبدو أكثر جاذبية، وأوسع تأثيرا، وأقل إثارة للتناقضات، وبين خطاب مذهبي يثير لدى غالبيةٍ من laquo; السنةraquo; الكثير من الحساسيات، إن لم نقل الإِحَن، والضغائن المُبيَّتة، منذ قرون.
ويرى عثمان انه في حال قررت إيران العبور إلى مصر من مدخل التشيُّع، مع مداخل أخرى، فإن ذلك سيتأثر،على نحو واضح، بالتركيبة السياسية في القاهرة، وطبيعة علاقة المتنفذين فيها بإيران.