كتب: Mohamed El-Erian

قد يصبح سيناريو خروج اليونان من منطقة اليورو خياراً مكلفاً ومثيراً للمتاعب، ولن يكون الوضع كذلك بالنسبة إلى اليونان حصراً، بل ستشعر جميع دول العالم تقريباً بأثر تلك الأزمة على المستويين الاقتصادي والمالي.
لنتخيل أن الطبيب أخبرنا بأننا سنصاب بنوبة قلبية لكن من دون أن يحدد مدى حدتها أو خطورتها. بعد سماع هذه الأخبار الخطيرة، قد نرغب في معرفة مدى قدرة الجسم على تحمل تلك الصدمة وتحديد طبيعة تداعيات تلك النوبة.
هذا ما يحصل تحديداً في الأوساط السياسية اليوم (وفي مجالات أخرى أيضاً)، إذ يراقب العالم التطورات في اليونان وهو يشعر بعجز متزايد وقلق شديد. تنتشر قناعة الآن مفادها أن اليونان تواجه احتمالاً متزايداً بنشوء موجة جديدة من التقصير في دفع الديون. لكن هذه المرة، قد ينتهي الأمر بخروج البلد من منطقة اليورو. لذا تتساءل الحكومات في أوروبا، وفي أماكن أخرى، عن انعكاس ذلك التطور عليها.
من المعروف أن الاضطرابات في اليونان ليست ظاهرة جديدة. خلال أكثر من سنتين، تعثرت هذه الدولة التي كانت سابقاً عضواً فخوراً في منطقة اليورو، وانتقلت من أزمة إلى أخرى، فارتفعت التكاليف الاجتماعية وتعمّقت الاختلالات الاقتصادية والسياسية. بناءً على ذلك، اتخذ الوضع منحىً سلبياً نحو الأسوأ في الأسبوع الماضي، فقد تدفقت التقارير عن إقدام المواطنين العاديين على سحب أموالهم من البنوك المحلية خوفاً على سلامة ما تبقى من مدخراتهم.
تتعلق المسألة الأساسية الآن بمعرفة ما إذا كان الرد السياسي على الأزمة سينجح في احتواء هذا التطور الجديد في المأساة اليونانية المتفاقمة، وتحديداً لأن البنوك قد تخرج عن السيطرة بسهولة. إذا ثبت عجز تلك السياسات مجدداً، يرتفع احتمال أن تُجبَر اليونان على التقصير في دفع ديونها أو أن تخرج نهائياً من منطقة اليورو، وهو ما يطلق عليه حاليا ldquo;مخرج اليونانrdquo;. إذا تحقق هذا السيناريو، فستواجه اليونان احتمال تعمق الأزمة الاقتصادية والمالية والسياسية والاجتماعية فترةً مطولة، وسيشهد العالم نتيجةً لذلك خطر مواجهة أضرار جانبية.
تؤكد الحكومات الأوروبية، علناً على الأقل، أنها ستبذل قصارى جهدها لتجنب خروج اليونان من منطقة اليورو. صدر هذا الموقف نفسه مجدداً خلال قمة مجموعة الثماني في نهاية الأسبوع الماضي. لكن الكلمات وحدها لا تكفي. يجب أن تجد الحكومات الأوروبية بشكل عاجل طريقة لطمأنة المودعين اليونانيين وإقناعهم بأن استمرار عضوية بلدهم في منطقة اليورو هو أمر مرغوب فيه وواقعي أيضاً. لكن يصعب على هؤلاء المودعين أن يصدقوا تلك التطمينات في هذه المرحلة التي تشهد اضطراباً في السياسة الوطنية، وتبخراً لفرص العمل بوتيرة متسارعة، وتردداً من الشركاء الأوروبيين مراراً وتكراراً في إرسال الشيكات إلى البلد.
من المعروف أن المخاطر المطروحة حقيقية. إذا أُجبرت اليونان على مغادرة منطقة اليورو، فهي ستفعل ذلك من دون تطبيق آلية واضحة وسيكون هذا الأمر سابقة من نوعه. مع ارتفاع هذا الاحتمال، قد يصبح سيناريو خروج اليونان من منطقة اليورو خياراً مكلفاً ومثيراً للمتاعب، ولن يكون الوضع كذلك بالنسبة إلى اليونان حصراً، بل ستشعر جميع دول العالم تقريباً بأثر تلك الأزمة على المستويين الاقتصادي والمالي.
لا شك أن الأمر سيكون بمنزلة صدمة حقيقية من شأنها تعويق النمو العالمي. لكن في الوقت الراهن، يصعب إطلاق توقعات دقيقة بشأن حجم الأزمة ومدتها. نظراً إلى درجة الشكوك السائدة، يجب أن تُعدّ الحكومات (غير الأوروبية أيضاً) تدابير لتقليص واحتواء الاضطرابات الخارجية التي يمكن أن تنشأ نتيجة خروج اليونان من منطقة اليورو بطريقة عشوائية.
لسوء الحظ، بدأت دفاعات بعض البلدان، على المستويين النقدي والمالي، تُستنزَف بشكل ملحوظ لأنها تواجه صدمات محلية متلاحقة منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008. ينطبق هذا الوضع تحديداً على الأنظمة الاقتصادية الأوروبية الواسعة التي تواجه المشاكل بسبب ديونها الخاصة وتحديات مصرفية كبيرة (مثل إيطاليا وإسبانيا). ينطبق الأمر أيضاً على الولايات المتحدة حيث يؤدي النمو الهش والانقسام السياسي إلى إضعاف سلامة بعض الفئات الاقتصادية المثقلة بالديون. حتى النمو في الصين بدأ يتباطأ بسبب عمليات التحول الاقتصادي الفورية والطويلة الأمد التي تمس المؤسسات المختلفة والنظام عموماً.
إذا غادرت اليونان منطقة اليورو المؤلفة من 17 عضواً، فلن يبرز أي طرف يستطيع أخذ المبادرة واحتواء عدوى الاضطرابات العالمية في الاقتصاد العالمي. في الوقت نفسه، لا يمكن أن تعوض آليات التنسيق الإقليمية أو المتعددة الجوانب عن الخسائر الحاصلة. بالتالي، ثمة سلسلة من الخطوات التي يجب اتخاذها اليوم للتأكد من أن تكون الصدمات عابرة وقابلة للمعالجة.
تحتاج أوروبا بشكل عاجل إلى تقوية ldquo;مكابحهاrdquo; الداخلية لتقليص خطر انتقال عدوى الأزمة اليونانية وتحولها إلى ظاهرة بحد ذاتها، وذلك بفضل حس القيادة الذي يجب أن توفره الحكومات في أهم أربعة أنظمة اقتصادية (ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا). يشمل ذلك تقوية التحصينات الداخلية، وتوسيع الخطط المالية العاجلة في البنك المركزي الأوروبي، وإنشاء أساس ثابت للتأمين على الودائع في منطقة اليورو كاملة، وتوفير إطار مؤسساتي مناسب، والتخطيط لكسب مساعدات مالية من بقية دول العالم. لضمان استمرار أسس ما تبقى من منطقة اليورو (قد يصبح العدد أقل من 16 دولة)، يجب أن تترافق التدابير المالية وخطط النمو مع خليط سياسي أفضل على المستوى الوطني، بالإضافة إلى إطلاق عملية تكامل سياسي إقليمي قابل للاستمرار لرفع ضوابط القيادة والشرعية. أخيراً، إذا خرجت اليونان من منطقة اليورو فعلاً، يجب أن تجد أوروبا طريقة لإبقاء البلد ضمن الاتحاد الأوروبي المؤلف من 27 دولة، مع منح الاتحاد تمويلاً يضمن استقراره ومساعدات تقنية كافية.
لا يملك القادة السياسيون وقتاً طويلاً لإهداره إذا كانوا يريدون تقليص الاضطرابات الفورية الناجمة عن احتمال خروج اليونان من منطقة اليورو (يبدو هذا الاحتمال حتمياً مع مرور الأيام) وإدارة التداعيات العشوائية الناتجة عن هذا الوضع. تشير معطيات التاريخ الحديث إلى أن هؤلاء القادة ليسوا مستعدين جدياً لمواجهة هذا الاحتمال. بعد أن نظم القادة الأوروبيون هذا العدد من الاجتماعات التي تناقش تدهور وضع منطقة اليورو، سيكونون أول من يُلامون إذا لم يوفروا جهاز الصدمات الكهربائية عندما تحدث النوبة القلبية!
* المدير التنفيذي ومساعد رئيس قسم الاستثمار في شركة إدارة الاستثمارات العالمية ldquo;بمكوrdquo; (Pimco) ومؤلف كتاب ldquo;عندما تتصادم الأسواقrdquo; (When Markets Collide).