محمد مصطفى علوش

استوقفني خلال الأسبوع الماضي حدثان سياسيان، يعكسان حراكاً اجتماعياً وسياسياً تعيشه الطائفة السنية في لبنان التي تعتبر من الطوائف الكبرى في البلد. وإن كان الحدثان لا يلتقيان البتة في مضمونيهما إلا أنهما يخدمان تصوراً واضحاً أساسه ارتفاع منسوب القلق لدى الطائفة السنية على حقوقها السياسية في بلد يزداد تماسكه الداخلي هشاشة على وقع الأحداث الدموية المتسارعة في البلد الشقيق سوريا.

الحدث الأول يتمثل في الرسالة التي أبرق بها العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى الرئيس اللبناني ميشال سليمان يوم الثلاثاء ما قبل الأخير جاء فيها: quot; المملكة العربية السعودية تتابع ببالغ القلق تطورات أحداث طرابلس خصوصا لجهة استهدافها لإحدى الطوائف الرئيسية التي يتكون منها النسيج الاجتماعي اللبنانيquot;، مبدياً تخوفه من عودة شبح الحرب الأهلية إلى البلد. ولا يخفى على عاقل أن العاهل السعودي قصد برسالته الطائفة السنية.

الحدث الثاني تمثل بتأسيس quot; هيئة علماء المسلمين في لبنانquot; التي تم الإعلان عنه في التاسع والعشرين من الشهر المنصرم في بيروت بحضور ما يزيد على 350 عالما سنيا من مختلف التوجهات الفكرية والسياسية. وحدد بيان التأسيس أهداف الهيئة في 13 بندا، لكن ما يهمنا من هذه البنود هو ما يسلط الضوء على الحيثية التي نناقشها في المقال، ونلخصها فيما يلي:

* إيجاد إطار جامع للعلماء المسلمين في لبنان، يوحّد صفوفهم، ويسدّد جهودهم، ويجمع كلمتهم.

* ترشيد الخطاب الدينيّ على الساحة الإسلاميّة في لبنان.

* الحفاظ على هويّة أهل السنّة والجماعة في لبنان، وخدمة قضاياهم، وتبنّي مصالحهم، والدفاع عن حقوقهم، والمساهمة في حماية دورهم وتعزيز مواقعهم.

* تفعيل مؤسّسات المسلمين في لبنان وتطويرها، وعلى رأسها دار الفتوى والمجلس الشرعيّ.

* رفض الاستغلال السياسيّ للمسلمين، عبر تأجيج العصبيّة الطائفيّة عندهم، لتحويلهم إلى طائفة، بعد أن كانوا أمّة. والتصدّي للتوقيف السياسيّ، والتعذيب والتنكيل، وتعطيل المحاكمات.

* نصرة quot;ثورات الربيع العربيّ، خاصة الثورة السورية المباركةquot;.

وبنظرة خاطفة وسريعة على ما سبق من بنود ندرك مسألتين جديدتين طرأتا على الخطاب السني، الدعوة إلى توحيد جميع أطياف المجتمع السني والتفافه حول من يوحد الطائفة، ويحمي حقوقها السياسية، إعلان دعمها المطلق للمعارضة السورية في مواجهة نظام الأسد.

فهل خرج المارد السني من القمقم كما يرى البعض؟ وعلى يدّ من؟ ومن سيحمل راية المرحلة المقبلة؟

لا شك أن جملة الأسئلة السابقة تحتاج إلى إمعان وتفكير قبل الإجابة عليها، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن الحديث عن طائفة ما وحقوقها، لا يمكن فصله عن المناخ الطائفي الذي يعيشه المجتمع اللبناني. كما أن حديثا من هذا النوع يثير القلق والغضب عند فئات الطوائف الأخرى التي قد تعتبر الخوض في مواضيع من هذا النوع هو استهداف غير مباشر للطوائف الأخرى وحصصها وحجمها ونفوذها السياسي في الحكومة ومؤسسات الدولة.

ولا يعنيني في هذا المقام آثاره النعرة الطائفية ولا التحدث باسم طائفة، أو عنها من منطلق فئوي بتاتاً، بل ما يهمني بهذا الخصوص تشخيص الحالة السنية التي انتمي لها بحكم الدين والمجتمع وفق معيار الانتماء للوطن الجامع لكل طوائفه ومناطقه.

ولا بد هنا، من الاعتراف بوجود أزمة تعيشها الطائفة السنية. وإنكار ذلك لا يخدم مصلحة المعنيين ببناء الوطن، إذ ليس من الحكمة تغطية المشكلة والتعمية عليها أو القفز فوقها وكأن شيئاً لم يكن. ثم إن الحديث عن مشاكل وهواجس طائفة ما ليس بالضرورة تمييز أو انتقاص لها بين الطوائف المشكلة لفسيفساء المجتمع اللبناني.

وتبرز أزمة الطائفة في عدم وجود قيادات سياسية قادرة على جمعها وتوحيدها، في الوقت الذي تكثر التحديات التي توجهها سواء لجهة الوضع الداخلي والأزمة السياسية المفتوحة أو لجهة الوضع في سوريا والذي ينعكس بقوة على الواقع اللبناني. وإزاء هذا فإن ما يتقدم لتشكيل المزاج العام هو الصوت الديني في حين يتراجع الصوت السياسي، وهذا ينعكس بشكل واضح على الدعم المتنامي للفكر السلفي وقياداته خصوصا في مناطق الشمال حيث الثقل السني، في حين يتراجع الدعم الذي كانت تحظى به الأحزاب السياسية