Alexander Shumilin

تشير جميع المعطيات إلى أن الكرملين لا ينظر إلى الأحداث في سورية على أنها أزمة خطيرة بل إنه ينوي استعمال الورقة السورية في مفاوضاته مع الغرب بهدف انتزاع التنازلات حول مسائل أساسية في الحوار الروسي الأميركي.
أصبحت المشكلة السورية أشبه بدوامة وحشية توشك على ابتلاع السفينة الروسية، ففي الأسبوع الماضي، وجه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بضع إشارات مهمة مفادها أن الكرملين قد يحاول إبعاد نفسه عن الرئيس السوري بشار الأسد، لكن من دون جدوى. يلجأ الأسد إلى روسيا للحصول على الدعم ويرضخ له الكرملين على مضض، إذ أصبحت روسيا أسيرة الوضع الذي أنشأته بنفسها.
اتضح هذا الواقع فوراً بعد المجزرة المأساوية بحق المدنيين في بلدة الحولة السورية في 25 مايو، ما أسفر عن مقتل حوالي 116 مدنياً، منهم عشرات الأطفال. لا يستطيع لافروف إنكار الأدلة التي قُدمت إلى الأمم المتحدة والتي تشير إلى أن تلك الجريمة الشنيعة ارتُكبت على يد قوات النظام، لكن في الوقت نفسه، هو لا يستطيع أن يدير ظهره للأسد ونظامه. كان الحل الذي اقترحه يقضي باتخاذ موقف حيادي: الاعتراف بتورط قوات النظام في مجزرة الحولة مع المطالبة بإجراء تحقيق كامل لتحديد دور الثوار في تلك المأساة.
لا أحد ينكر الدور الذي لعبه الثوار في الصراع السوري. بدأت الحرب الأهلية تحتدم في سورية وتصف المعارضة نفسها صراحةً بالميليشيا، ولا تتعلق المسألة الأساسية الآن بمعرفة ما إذا كانت المعارضة هي التي أطلقت النار أولاً، بل بتقييم الطريقة التي اعتمدها الجيش النظامي للرد على ذلك. هل من المقبول الرد على نار الأعداء من خلال قصف الأحياء المدنية وقتل النساء والأطفال الأبرياء عمداً لأن هؤلاء السكان يتعاطفون بكل بساطة مع المعارضة؟
نتيجةً لذلك، لا تستطيع وزارة الخارجية الروسية تقديم أي أدلة تثبت صحة ادعائها المتكرر بأن موسكو تكتفي بالدفاع عن مبادئ العدالة لمصلحة الشعب السوري وأنها لم تدعم نظام الأسد ضد قوات الثوار. ما إن تحاول وزارة الخارجية الروسية أداء دور الجهة المحايدة التي تتعاون مع الأمم المتحدة حتى تقع مجزرة أخرى. عندئذٍ، يطلب الأسد الدعم من موسكو وتبدأ تلك الدوامة المألوفة من جديد.
لطالما كان الدفاع عن الأسد جزءاً من خطاب الرئيس فلاديمير بوتين المعادي للغرب، وذلك بهدف استمالة ناخبيه المحافظين. ترافق دعم موسكو للأسد مع نتائج كارثية، وتحديداً بين 4 فبراير (عندما استعملت روسيا حق النقض ضد مسودة قرار طرحتها الدول العربية في الأمم المتحدة لحل الأزمة السورية) و5 مارس (عندما انتُخب بوتين رئيساً لروسيا). خلال تلك الفترة من الحماية الروسية، صعّد نظام الأسد الصراع من خلال قصف المراكز الشعبية الكبرى التي تُعتبر معاقل أساسية للثوار المعارضين.
في حملة هدفت إلى إزعاج الحكومات الغربية وكسب الأصوات محلياً، سلّم بوتين أسلحة إضافية إلى الأسد خلال تلك الفترة. نتيجةً لذلك، بحلول 5 مارس، قضت قوات النظام على فرص الثوار وبدأت تشعر بأنها استعادت سيطرتها على البلد.
من الواضح أن الأسد لا يستطيع إعادة فرض النظام إلا عبر استعمال الأسلحة الثقيلة، ولا أمل في التوصل إلى حل سلمي طالما يبقى الأسد في السلطة، لكن ما تداعيات المحاولات الروسية لتبرئة الأسد وتبرير جرائمه؟ كيف يمكن أن تثبت روسيا أنها لا تدافع عن دكتاتور وحشي؟
تشير جميع المعطيات إلى أن الكرملين لا ينظر إلى الأحداث في سورية على أنها أزمة خطيرة بل إنه ينوي استعمال الورقة السورية في مفاوضاته مع الغرب بهدف انتزاع التنازلات حول مسائل أساسية في الحوار الروسي الأميركي، مثل الدفاع الصاروخي في أوروبا أو تخفيف الدعم الأخلاقي والسياسي الغربي للحركة الاحتجاجية في روسيا.
لكن من المستبعد أن تقدم واشنطن هذا النوع من التنازلات، ما يعني أن روسيا ستتابع على الأرجح مسارها المتهور بدعم نظام الأسد، إلى حين ارتكاب بعض المجازر الإضافية المشابهة لمجزرة الحولة.