علي سعد الموسى

لا أعرف لماذا ذهبت وزارة الاقتصاد والتخطيط إلى أقاصي آسيا لتطلب من المعهد الكوري للتنمية إعداد تقرير حول الحالة السعودية فيما يخص حدود إشراف ومهام الوزارة. كل الذي أعرفه، أننا لم نعرف عن خبراء كوريا أي اهتمام بالاستشراق أو الاستغراب. بكلمات لغوية موجزة: هم آخر من يستطيع أن يدرس حالتنا بحكم محدودية التواصل المعرفي والخبراتي الاستشاري ما بين الثقافتين السعودية والكورية. ولكن: سأترك الحديث عن الجوانب المضيئة المبهجة للصدر في ثنايا التقرير الكوري عن ضخامة الاقتصاد وحجم النمو، وعن المنجز السعودي التاريخي في السنوات الأخيرة عطفاً على الظروف الإقليمية والدولية الملتهبة. سأنظر، معتذراً عن عادتي، إلى ربع الكأس الفارغ الذي تحدث عنه التقرير الكوري، مع إيماني بأننا لا نحتاج خبرات كوريا ولا الأرجنتين لكشف هذا الخلل. أمي، الأمية، تعرف هذا الموضوع، ولسنا بحاجة إلى الذهاب إلى ndash; سيئول ndash; لأن معهد صنعاء للتنمية يستطيع قراءة أخطاءنا التنموية وأن يبعثها إلينا عبر رسالة جوال. الجملة الشاملة التي تستنتجها من ثنايا تقرير المعهد الكوري لا تخرج عن المفردات اللغوية في اسم الوزارة التي طلبت التقرير: لدينا اقتصاد قوي وضخم ولدينا في المقابل خلل في التخطيط. وإذا ما تخيلت أن ndash; المفردتين ndash; رجل يسير على قدميه، نتخيله بساق سليمة وطويلة اسمها المال وأخرى تسير بشوكة في منتصف الكعب. كيف يستطيع مثل هذا أن يمشي كما هو مطلوب؟ خذ مثلاً أن التقرير الكوري يتحدث عن ndash; تعليم ndash; لا يستطيع مسايرة عملقة الاقتصاد رغم أن السعودية على رأس الكون في الصرف على التعليم. نحن نعرف هذه المعضلة منذ أربعة عقود ونعرف أسبابها ونعرف فوق ذلك أن حلولها أبسط من الذهاب إلى صنعاء أو سيئول. نحن نعرف أن حلول التعليم هي ndash; الحذف ndash; ومع هذا نصر كل عام على ndash; الإضافة -. يتحدث التقرير الكوري عن تناقض حجم الاقتصاد مع حجم البطالة. نحن نعرف مثلاً، أن البلد الذي استقدم عشرة ملايين وافد لن يعجز عن حل معاناة مئتي ألف عاطل. أبسط الحلول أن تفرض نظاماً لا تُخرج به ريالاً من جيبك إلا إلى يد مواطن آخر. دعه بنفسه يكتشف حجم السوق ثم اخلق له ظروفاً للمنافسة. أغلق عُشر نوافذ سفاراتنا كل عام حتى يعود البلد لأهله ولو بعد عشر سنين. تحت ضغط المساحة أختم بالقول: صدقوني، إن نكبة التخطيط في كل الدوائر لدينا ليست إلا الخبراء واللجان ومعاهد الأبحاث وخبراء الورق. كل الخلل في قصصنا المختلفة نعرفها عن ظهر قلب، وما قاله المعهد الكوري من قلب سيئول يعرفه المواطن البسيط في مسقط رأسي بسراة عبيدة. نحن بحاجة إلى القرار ثم نقف بحزم له وإليه: لا عليه.