سليمان جودة
لم ينشغل الألمان بشيء، علي مدي 67 عاماً، منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، عام 1945، إلي اليوم، قدر انشغالهم بأن يعملوا طول الوقت، من أجل منع انتخاب laquo;هتلرraquo; جديد بينهم!
ففي عام 1933، كان هتلر قد جري انتخابه زعيماً للبلاد، وجاء الرجل إلي كرسي الحكم، وقتها، من خلال انتخابات صحيحة، ولم يجرؤ احد، في حينه، علي أن يقول إن هتلر قد اغتصب الحكم، أو إنه استولي عليه، لأن الواقع يقول إنه جاء عبر صندوق الاقتراع، وباختيار الناخبين، ورضاهم.
وكان علي الألمان أن ينتظروا 12 عاما، حتي يتبين لهم، أن اختيارهم لم يكن في محله، وأنه كان الاختيار الخاطئ بنسبة 100٪، وأن الرجل الذي انتخبوه، بأيديهم، كان وبالاً عليهم، وعلي بلدهم، بل وعلي الدول المجاورة في أوروبا كلها، لا لشيء، إلا لأنه كان يري بلده أصغر منه، ومن طموحه، ومن أحلامه، فدخل في مغامرات بلا نهاية، دمرت بلده، ومعها أغلب اوروبا، ثم انتحر هو في النهاية!
من يومها، انخرط الألمان في انشاء معاهد ومراكز لها هدف واحد، بل وحيد، هو أن يتعلم الناخب من خلالها، كيف يختار مرشحه.. أما laquo;مَنْ يختارraquo; فهذه هي مهمته هو، كناخب.. فالمهم هنا، هو أن تكون لديه معايير علي أساسها يختار، وأن تكون عنده مقاييس، علي أساسها يقرر ان يصوت لهذا المرشح، دون ذاك.. ولا يزال الناخب الألماني، يتعلم ويتدرب، طول الوقت، ضمن عملية متكاملة يسمونها هناك laquo;عملية ذيل الفأرraquo; حتي لا يأتي إليهم هتلر جديد.. إذْ يكفيهم هتلر واحد!
وإذا كان قد قيل يوماً، أن الشيء الأهم، الذي يميز الانسان علي الحيوان، أن الاخير بلا تاريخ، علي عكس الأول، وأن الانسان إذا لم يكن للتجربة في حياته رصيد، فلا فرق عندئذ، بينه وبين الحيوان.
إذا كان قد قيل هذا، كثيراً، في مناسبات مختلفة، فعندنا اليوم مناسبة يجب أن نتذكر هذا المعني فيها، وإذا كان علينا اليوم، أن نختار بين مرشحين اثنين، فإن من واجبنا أن ندقق، ونحن نختار، وأن تكون تجربة الالمان، في الذاكرة، وان نتجه، من أقصر طريق، إلي المرشح الذي نري أنه ابعد ما يكون عن منطق هتلر، وأقرب ما يكون إلي حياتنا العملية بمشاكلها، وأزماتها، وبلاياها، ثم إلي طرح حلول لذلك كله.
وإذا كان لي أن أنصح ناخباً بشيء، فهذا الشيء هو أن يحرص الناخب، علي أن يتوافر في مرشحه الذي سوف يختاره، شرطان، أولهما أن يكون له برنامج انتخابي واضح، سوف يبدأ في تنفيذه، فور انتخابه، وثانيهما - وهو الأهم - أن يكون البرنامج عملياً، ويمكن تنفيذه علي الارض، لا أن يكون أحلاماً طائرة في السماء، أو أوهاماً هائمة في الفضاء.
لا تنتخبوا laquo;هتلرraquo; المصري، وإذا سألني أحد: مَنْ هو شبيه laquo;هتلرraquo; هذا، بين المرشحين الإثنين، فسوف اقول إني لا أعرف، وإنما الذي أعرفه، بأمانة، أن هذه هي مهمة الناخب، وأن عليه هو وحده، أن يميز بين المرشحين، علي أساس البرنامج الانتخابي لكليهما، ثم يختار.. فتجربة الألمان مع هتلر، قد طافت في ذهني فجأة، في لحظة من لحظات تأمل المشهد بتفاصيله وفي إجماله!
التعليقات