عائشة المري

تسود حالة من القلق الجماعي على المستقبل السياسي لمصر، بانتظار إعلان النتائج الرسمية للانتخابات الرئاسية في 21 يونيو الحالي بعد أن قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية قانون الانتخابات البرلمانية وهو ما يعني بطلان انتخاب المجلس كاملاً الذي يهيمن عليه الإسلاميون، كما قضت المحكمة ببطلان قانون العزل السياسي، مما أبقى المرشح الرئاسي الفريق أحمد شفيق منافساً على الرئاسة، فيما اعتبره البعض انقلاباً دستورياً أبيض.

عند النظر إلى العملية السياسية في مصر منذ فبراير 2011 ظهر جلياً التباين الصارخ بين الطرف الممسك بزمام السلطة متمثلاً بالمجلس العسكري، وبين القوى التي فجرت الثورة وبين جماعة quot;الإخوان المسلمينquot; والسلفيين الذين تصدروا المشهد السياسي بعد الانتخابات التشريعية، فقد تمت التضحية برأس النظام وبرموزه الأساسية مع الإبقاء على أسس النظام وسياساته دون تغيير جوهري، فالمجلس العسكري أدار المرحلة الانتقالية الأولى بطريقة متدرجة، فقام بتغيير حكومة أحمد شفيق آخر حكومة في عهد مبارك، وقام بتعيين عصام شرف رئيساً للوزراء مع الاحتفاظ بعدد من وزراء الحكومات السابقة وإجراء تغييرات طفيفة حظيت بقبول جزئي من شباب الثورة.
لقد اتسعت الفجوة باطراد بين ثوار ميدان التحرير ومخرجات الثورة إن صح التعبير، فالثوار رفعوا شعارات إسقاط النظام برموزه وسياساته الداخلية والخارجية وعدم الاكتفاء بتقديم رأس النظام وبعض أركانه للمحاكمة هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى قفز quot;الإخوان المسلمونquot; ليحصدوا نتائج الثورة وليتصدروا المشهد السياسي من الانتخابات التشريعية، وحتى وصول مرشحهم محمد مرسي لأبواب رئاسة الجمهورية. ومنذ البداية بدا واضحاً ضعف ثوار ميدان التحرير وضعف التيارات العلمانية صاحبة المصلحة في التغيير، فالقوى المتباينة التي وحدتها كراهية النظام السابق، تشتتت جهودها في صياغة تيار سياسي قوي مؤثر فلم تتمكن من المحافظة على تماسكها ولم تستطع توحيد صفوفها وظهر ضعفها السياسي في مقابل الجاهزية السياسية التي أدار بها quot;الإخوان المسلمونquot; تنظيم الصفوف وتوحيد الجهود وجني الثمار، وبدا وكأن الثورة اختطفت من الثوار فكانت العودة إلى ميدان التحرير هي البديل الوحيد المتاح لممارسة شكل ما من أشكال الرقابة والضغط على السلطتين التنفيذية والتشريعية.

لم تكن نتيجة الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة المصرية التي وضعت الشعب المصري أمام مأزق الاختيار بين مرسي مرشح quot;الإخوانquot;، وشفيق الخيار المحبذ للمجلس العسكري، بالمصادفة، ولكنها شكلت انعكاساً حقيقياً للتجاذب الحاصل في الساحة السياسية المصرية وعلى مدار فترة العام ونصف العام في محاولة للسيطرة على مخرجات الثورة. بين شفيق ومرسي يتضاءل حلم التغيير الثوري وتفرض الواقعية السياسية نفسها على أحلام الثوار والبسطاء من شعب مصر الحالمين بثورة تقلب الأوضاع الاجتماعية المعيشية وتنهي مفردات الفساد والمحسوبية. لقد حظيت جماعة quot;الإخوانquot; ولأول مرة منذ تأسيسها عام 1928، بفرصة للاستيلاء على السلطة وفرض مشروعها لصياغة المجتمع بما يتناسب مع رؤية الجماعة الخاضعة لتوجيهات المرشد الأعلى لـquot;الإخوانquot;. ويراهن quot;الإخوانquot; على أمرين، الأول، اعتبار شفيق محسوباً على النظام القديم، وتستخدم الجماعة في خطابها المضاد مصطلحات كـquot;الفلولquot;، وquot;عودة النظام quot; وquot;القضاء على الثورةquot;، وquot;دماء الشهداءquot;. والثاني، انقسام التيارات الليبرالية والعلمانية وبالتالي استقطابها كراهية في النظام القديم ممثلاً بشفيق حسب الطرح quot;الإخوانيquot;. وفي المقابل يراهن المجلس العسكري على أمرين، الأول، التخوف الشعبي من quot;الإخوانquot; وعدم الثقة بوعودهم باعتبارهم قوى وصولية وتنافسهم على كرسي الرئاسة يقدم نموذجاً. والثاني أن وصول مرشحهم لمقعد الرئاسة سيعني إدارة شؤون الدولة من مكتب المرشد العام لـquot;الإخوانquot; كدولة دينية ويقدم هذا الخطاب إيران نموذجاً مستقبلياً لمصر.

وبانتظار الرئيس القادم هناك حاجة ماسة للمضي قدماً والخروج من المأزق، وعلى ثوار ميدان التحرير من القوى الليبرالية والمدنية في مصر إعادة تنظيم صفوفها والاستفادة من الفشل السابق للتأثير الفاعل في مستقبل مصر عبر صناديق الاقتراع لانتخاب السلطة التشريعية الجديدة.