محمد جابر الأنصاري


برزت أهمية المملكة العربية السعودية دولياً، مع حدوث التطورات الأخيرة فيها، فقد أثبت الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود أنه يمسك بدفة القيادة بحزم وحكمة في هذا البلد العربي المهم، متخذاً مجموعة من القرارات الحاسمة التي عوضت بلاده والمنطقة عن رحيل الأمير نايف بن عبدالعزيز، رجل الأمن والأمان، ليس في بلاده فحسب، بل في المنطقة بأسرها.
فقد أسس الراحل الكبير مدرسة في التعاطي الأمني غير الهادف إلى معاقبة الجاني، بل إيقافه وردعه، ثم محاولة إصلاحه وإدخاله من جديد في الحياة العامة لمجتمعه.
ولم يقتصر نايف على المجال الأمني، بل اهتم بالجانب العلمي فكانت جائزتاه السنويتان لأبحاث السنّة النبوية والدراسات الإسلامية المعاصرة، معبرتين عن ذلك.
كما أن صدور مجلة ldquo;البحوث الأمنيةrdquo; الصادرة بإشراف وزارة الداخلية السعودية مأثرة من مآثره، حيث كانت المجلة مصدراً تثقيفياً مهماً في الشؤون الأمنية. وبالإضافة إلى الطابع الديني للاهتمام بأبحاث السنّة النبوية الشريفة، فإن ثمة جانباً علمياً لذلك، حيث إن الاهتمام في البحث بالروايات والرجال والسند، عند المسلمين، من بدايات البحث العلمي لديهم. وهذه مسألة جديرة بالالتفات.
وكان الراحل الكبير يتابع الأوضاع الأمنية في العالم العربي عن طريق لقائه السنوي بوزراء الداخلية العرب في تونس، حيث وفر لهذا اللقاء هناك ما يحتاجه من متطلبات.
وتتركز أهمية المملكة العربية السعودية، التي برزت للعيان، في الآونة الأخيرة في الأمور التالية:
1- كونها العمق الاستراتيجي لدول الخليج العربية المطلة على ساحل الخليج العربي من جانبه الغربي، وقد أثبتت ذلك في حرب تحرير دولة الكويت، وقبلها، كانت دول الخليج تحاول إقامة ldquo;اتحادrdquo; بينها، كالاتحاد ldquo;التساعيrdquo; الذي لم يقم، فلما اقتربت السعودية من فكرة الاتحاد بمجلس التعاون، وجدنا دول الخليج العربية، تسارع واحدةً تلو الأخرى إلى دخولهhellip; وهو بصدد التحول إلى ldquo;اتحادrdquo;، كما اقترح الملك عبدالله بن عبدالعزيز في القمة الخليجية الأخيرة بالرياض.
2- تمثل السعودية أحد المصادر المهمة للطاقة في العالم. وكانت الجهات الأميركية، أيام الحرب الباردة، تعتبر أن وقوع آبارها النفطية المهمة في يد قوة معادية، يساوي في الخطورة احتلال واشنطن دي سي، عاصمة الاتحاد الأميركي. وقد بعث الرئيس الأميركي أوباما، وزير دفاعه، للتعزية والتهنئة بالتطورات الجارية، بالإضافة إلى زعماء آخرين.
3- إن المملكة العربية السعودية بلاد الحرمين الشريفين وrdquo;مهوى أفئدة المسلمينrdquo;، وقد كانت هكذا قبل اكتشاف النفط فيها.
4- إن السعودية أول نموذج ldquo;للوحدة العربيةrdquo; بين أقاليمها ومناطقها المختلفة التي وحّدها الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود، وينبغي الحفاظ على هذا ldquo;النموذج الوحدويrdquo; وتطويره، وذلك ما فعله أبناء الملك عبدالعزيز من ملوك السعودية، وصولاً إلى الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي يسعى من أجل التطوير السريع بدعم الشعب السعودي والشعوب الخليجية والعربية.
5- إن السعودية مركز التوازن والاستقرار والثقل في عالمها العربي كله، فهي ldquo;بيت العرب الكبيرrdquo; لذلك لا غرابة أن تجد في تشييع الأمير نايف إلى جانب الملك عبدالله، كلاً من الأمير رشيد من المغرب والمشير طنطاوي من مصر، والملك عبدالله الثاني ملك الأردن، والشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت وبحضور الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة من البحرين والأمير محمد بن زايد آل نهيان من الإمارات العربية المتحدة في أقصى شرق الوطن العربي. ويمكن القول إن السعودية، قد عوضت عن العراق، في حمايتها للحدود الشرقية العربية، وذلك بعد احتلاله من الأميركيين عام 2003م.
ومن التطورات النوعية في السعودية، تعيين الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولياً للعهد ونائباً لرئيس مجلس الوزراء، وزيراً للدفاع فقد كان الأمير سلمان، لسنوات عديدة، أميراً لمنطقة الرياض، عاصمة نجد قلب السعودية ومصدر قوتها تاريخياً. وقد زرته مراراً عديدة في مكتبه وهو يزاول خدمة المواطنين. وذكّرني بما قرأته عن أبيه رحمه الله.
كانت المرة الأولى مع الإعلامي السعودي القدير محمد رضا نصر الله، ثم توالت زياراتي لسموه بعد ذلك، وقد كتبت عما شاهدت في ذلك المجلس.
وفي لقاء أخير مع سموه، قلت له: إن اهتمامه بتاريخ السعودية والجزيرة العربية وتشجيعه للباحثين في هذا المجال مسألة ملفتة وتستحق العناية.
ولم يقتصر الرجل على شؤون التاريخ، فاهتمامه بالشؤون الراهنة- عبر الصحافة العربية- أمر آخر يُذكر له، وهو يستحق لقب ldquo;أمير الصحافةrdquo; الذي رافقه منذ زمنhellip; وتنعكس شخصيته في تربيته لأبنائه الذين يتولى كل واحد منهم مسؤولية مهمة في بلاده، وفي الوطن العربي الكبير. كما عُرف بـrdquo;أمير الوفاءrdquo; لمرافقته الطويلة لأخيه الأمير سلطان، ولي العهد، أثناء علاجه وقبل وفاته، رحمه الله.
وللأمير سلمان بن عبدالعزيز اهتمام بالجانب العقائدي، فهو يرى أن المثقفين السعوديين والعرب عليهم ألا يستخدموا مصطلح ldquo;الوهابيةrdquo; في الإشارة إلى حركة التوحيد التي جاء بها الشيخ محمد بن عبدالوهاب، لأنه لم يأتِ بجديد يخرج به عمّا جاء به أصحاب المذاهب الإسلامية، وشيوع مصطلح ldquo;الوهابيةrdquo; مسألة مغرضة علينا أن نحذرها، وهو يطرح رأيه، من حيث هو رأي، ولا يُلزم به أحداً.
أما التطور الآخر، فهو صدور الإرادة الملكية بتعيين الأمير أحمد بن عبدالعزيز آل سعود، وزيراً للداخلية بالمملكة العربية السعودية. والأمير أحمد، كما يعرف عنه الجميع، هو من مدرسة الراحل الكبير نايف بن عبدالعزيز وقد ظل بقربه لسنوات ينهل من توجهاته، ومعالجته للتحديات المقبلة ستكشف لنا تفرد شخصيته أيضاً، فالمنطقة مقبلة على تحديات جديدة لم تمر بها من قبل.
***
وللدلالة على مكانة السعودية في المنطقة، فإنه بمجرد وصول نبأ وفاة الأمير نايف بن عبدالعزيز، سارعت مملكة البحرين بإعلان الحداد لمدة ثلاثة أيام، ومثل البحرين دول عربية وإسلامية عديدة عبّرت عن حزنها بالتعزية والمشاركة. وتتمتع المملكة العربية السعودية بتقدير شعب البحرين وتطلعه إلى الاتحاد معها، ومع دول الخليج العربية الأخرىhellip; وذلك ما يؤكده دائماً ملكها حمد بن عيسى آل خليفة.
والتقدير البحريني للسعودية ليس بجديد، فمنذ أيام الملك عبدالعزيز، وزياراته للبحرين، كان البحرينيون يظهرون الحفاوة له، والتأييد لمواقفهhellip; وكان يظهر ارتياحه بالقول: ldquo;القلوب مجتمعةrdquo;، وذلك ما تأسست عليه البحرين، قيادةً وشعباً.