Vali Nasr

لا شك أن مستقبل الديمقراطية في مصر سيتأثر بردة فعل القوى الغربية: هل ستردّ تلك القوى كما فعلت الولايات المتحدة مع باكستان أم كما فعلت أوروبا مع تركيا؟
حصلت مصر أخيراً على رئيس جاء من انتخابات حرة، لكن لا يبشّر هذا الأمر بحدوث عملية انتقالية نحو إرساء ديمقراطية حقيقية بما أن الجيش أوضح أنه المسؤول الفعلي عن إدارة الوضع. إنها حكاية مألوفة وقد تكررت أحداثها في باكستان وتركيا حيث عمد الجيش السلطوي أيضاً إلى التلاعب بالعملية الديمقراطية. في باكستان، أدى ذلك الوضع إلى نشوء دولة فاشلة، لكن في تركيا، سيطر المدنيون على البلد وأنتجوا دولة قوية اقتصادياً ونافذة إقليمياً. تقدم التجربتان دروساً مهمة إلى الغرب حول كيفية توجيه مصر نحو طريق النجاح. قطع الجنرالات المصريون شوطاً طويلاً بعد الفترة التي أبعدوا أنفسهم فيها عن الرئيس حسني مبارك قبل 18 شهراً، وتركوا الثورة القائمة ضده تأخذ مجراها. لكن اليوم، اختفى ترددهم وزادت ثقتهم بنفسهم. في الأسابيع الأخيرة، أقدم الجيش على حل البرلمان المنتخب ومنح نفسه صلاحيات جديدة ووجه إنذاراً إلى محمد مرسي المنتمي إلى ldquo;الإخوان المسلمينrdquo; مفاده أنه يستطيع تولي الرئاسة شرط أن يوافق على أن يشرف الجيش على الحكم. برزت مؤشرات على انتكاس الوضع في المرحلة المقبلة. عندما رفضت الحكومة المصرية الموقتة مجموعة من المساعدات الضرورية من صندوق النقد الدولي، حصل ذلك بأمر من الجيش. فقد طالب صندوق النقد الدولي بتطبيق إصلاحات تمسّ صلاحيات الجيش الذي يملك مؤسسات تساوي ثلث الاقتصاد المحلي.
استهزاء صريح بالأحزاب
كان الجيش أيضاً وراء المداهمات التي استهدفت المنظمات غير الحكومية التي تعمل على إرساء الديمقراطية في مصر، بما في ذلك ثلاث جماعات أميركية. ترافقت تلك الخطوات مع استهزاء صريح بالأحزاب السياسية (ولا سيما الجماعات الإسلامية)، فضلاً عن تحذيرها من عدم وجوب أخذ الحريات الناشئة على محمل الجد. لم يجد الجيش أي مبرر كي يضبط نفسه. أدى تدهور الاقتصاد والإرهاق من الثورة إلى بث شعور بالحنين إلى الحكم الاستبدادي بين المصريين، وفي المقابل، بدا المجتمع الدولي غير مهتم بما يحصل. بما أن الولايات المتحدة سمحت بإرسال المساعدات العسكرية إلى مصر، حتى بعد قضية المنظمات غير الحكومية، اقتنع الجنرالات بأن أحداً لن يعاقبهم إذا استولوا على السلطة مجدداً. انطلاقاً من بعض الخطوات الأخيرة، تبين أن الجنرالات المصريين يطبقون سيناريو نظرائهم الباكستانيين لعام 1988. بعد وفاة الدكتاتور العسكري ضياء الحق في حادث تحطم طائرة، انسحب الجيش الباكستاني إلى ثكناته وسمح بإجراء انتخابات حرة أوصلت حكومة مدنية إلى السلطة. لكن الجنرالات أبلغوا رئيسة الحكومة بنازير بوتو بأن سلطتها كانت تقتصر على مسائل إدارية بسيطة وأنها لا تستطيع تغيير دور الجيش في الاقتصاد. حين تحدت ذلك الواقع، استعمل الجيش تعديلاً دستورياً يعود إلى أيام ضياء الحق لإقالتها، كما أنه فعل الأمر نفسه مع خلفها ومع بوتو مجدداً حتى الانقلاب العسكري الذي حصل في عام 1999 وأعاق مسار الديمقراطية. شهدت باكستان انتخابات أخرى في عام 2008 لكن بقيت المؤسسات الديمقراطية هشة، وفي هذا الشهر، طردت السلطة القضائية رئيس الوزراء لأنه فشل في التحقيق بتهم الفساد الموجهة إلى الرئيس. بعد عقدين على هذه التمثيلية الاستعراضية، أصبح البلد ضعيفاً ويستفحل فيه الفساد والتطرف وتشوبه الاضطرابات الدائمة. كذلك، سيطر الجيش التركي على العملية الديمقراطية بين عامي 1993 و2002، وركز خلال تلك الفترة على استعمال السلطة القضائية لتأديب السياسيين والسيطرة عليهم. أقدمت المحاكم على حل الحكومة الإسلامية في عام 1997 وحظرت الأحزاب الإسلامية مرتين. لكن في تركيا، فشل الجيش في رهانه، وبدءاً من عام 2002 الذي شهد تحقيق انتصار برلماني ساحق لحزب العدالة والتنمية الإسلامي المعتدل، بدأت سلطة الجيش تتلاشى، وخلال السنتين الأخيرتين، سيطر المدنيون على الحكم.
مؤسسات ضعيفة
أي اتجاه ستسلك مصر؟ من المعروف أن المؤسسات المدنية المصرية هي أضعف من تلك الموجودة في باكستان أو تركيا حيث تعود التقاليد الديمقراطية إلى فترة الخمسينيات. كان الاقتصاد التركي في بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين أقوى من الاقتصاد المصري ولم يكن الجنرالات الأتراك يسيطرون عليه بقدر ما يفعل الجيش في مصر. كذلك، تحسن الوضع بفضل حرص الأحزاب الإسلامية التركية على تعديل مواقفها، وهو أمر لم يفعله ldquo;الإخوان المسلمونrdquo; في مصر بكل مصداقية. لكن أهم ما في الأمر هو دور المجتمع الدولي في هذه المسألة. دعمت الولايات المتحدة الديمقراطية في باكستان مبدئياً ولكنها كانت تتعاطف فعلياً مع الجيش، فلم تمنع المساعدات الأميركية الجيش من قمع الحكومة المدنية ولم تقف في وجه الانقلاب الذي وقع في عام 1999 ونسف الديمقراطية من أساسها. في المقابل، أوضح الاتحاد الأوروبي أن تركيا لا مستقبل لها مع أوروبا إذا تولى جيشها إدارة الحكم. وافقت تركيا على تلك الشروط كجزء من المعايير اللازمة للانتساب إلى الاتحاد الأوروبي. كلما تقربت تركيا من أوروبا سياسياً واقتصادياً، كانت قبضة الجيش تتراخى وقوة المجتمع المدني تتزايد والقطاع الخاص يتنامى. لا شك أن مستقبل الديمقراطية في مصر سيتأثر بردة فعل القوى الغربية: هل ستردّ تلك القوى كما فعلت الولايات المتحدة مع باكستان أم كما فعلت أوروبا مع تركيا؟ بناءً على ذلك، يجب أن تعمل الولايات المتحدة تحديداً على حماية الديمقراطية الناشئة في مصر. يمكنها فعل ذلك عبر الضغط على الجيش المصري بعد أن تعززت روابطها به على مر العقود وبعد أن حرصت على تقديم مساعدات سنوية له بقيمة 1.3 مليار دولار. لن يعني ذلك التدخل في المشاحنات اليومية في السياسة المصرية، فلا نفع من ذلك، بل يجب أن تحث الولايات المتحدة الجنرالات على تطبيق إصلاح اقتصادي فاعل على أن يشمل مثلاً الخصخصة ورفع الضوابط التجارية وتشجيع الاستثمارات الخارجية المباشرة. ستساهم هذه التدابير في كبح نفوذ الجيش تزامناً مع تعزيز قوة المجتمع المدني والقطاع الخاص. إنها التدابير التي وضعت تركيا على مسار الازدهار والديمقراطية. يمكن أن ينجح النهج نفسه في مصر أيضاً.