مغازي البدراوي


ألقى الرئيس المصري د. محمد مرسي ثلاث خطب طويلة منذ لحظة توليه الرئاسة، وامتلأت خطبه برسائل الطمأنة والتهدئة للجميع داخل مصر وخارجها، بما في ذلك إسرائيل بتكراره الوعد بالالتزام باتفاقيات مصر الخارجية، وطمأن مرسي كافة الأطياف والتيارات، وعندما تنبه لنسيانه الفلسطينيين والسوريين في خطابه الأول، تدارك الأمر في خطابه الثاني..

لكنه فجأة وبدون مناسبة، أطلق عبارة في خطابه الأخير، وهو يتحدث عن الظلم والاستبداد في مصر، خص فيها الحقبة الناصرية بالهجوم، وذلك حين قال quot;الستينات.. وما أدراك ما الستيناتquot;. ورغم أن العبارة جاءت بشكل عابر وسريع، فقد أحدثت ردود فعل قوية في الشارعين المصري والعربي.

وأول من أصابتهم العبارة بصدمة هم الناصريون والقوميون المصريون الذين أيدوا مرسي في معركته ضد أحمد شفيق، وسبب صدمتهم ليس تناول مرسي الحقبة الناصرية بطريقة توحي بالنقد والهجوم، فهذا أمر اعتادوا عليه من جهات محددة منذ رحيل الزعيم العربي جمال عبدالناصر.

ولكن سبب الصدمة أن التيار الناصري والقومي في مصر، كانت في داخله خلافات وتباين حاد في الآراء حول تأييد مرسي أم شفيق، وعندما كتبت الدكتورة هدى عبدالناصر في الصحف أنها تؤيد شفيق، انتقدها منهم الكثيرون المؤيدون لمرسي.

وأعتقد أن الرئيس مرسي لم يتعمد إغضاب هذا التيار السياسي الكبير، خاصة وأن مرشح هذا التيار حمدين الصباحي قد حقق مفاجأة كبيرة في الانتخابات وحصل على ما يقرب من خمسة ملايين صوت، من بينهم أغلبية النخبة المثقفة في مصر، ولا يمكن للرئيس مرسي الذي جامل في خطاباته فئات لا تتعدى بضعة آلاف، أن يتعمد إغضاب هؤلاء الملايين.

ولكن الخطأ وقع والصدمة حدثت، وامتلأت وسائل الإعلام والشبكة العنكبوتية بكافة مواقعها، بالعديد من الردود والانتقادات، ليصبح هذا التيار أول خصوم الرئيس المصري الجديد على الساحة المصرية، وهو تيار ليس بالسهل ولا بالقليل، خاصة أنه يضم كما قلنا نخبة كبيرة من المثقفين والفنانين ونجوم المجتمع المصري.

وبات على الرئيس الجديد واجب أن يسارع بإطفاء هذه quot;الفتنةquot;، إن شئنا تسميتها، قبل أن تتفاقم وتنتشر، خاصة وأن الغالبية تطالبه كرئيس لكل المصريين بخلع عباءة الإخوان، ومن بطون هذه العباءة ما يكنه الإخوان للحقبة الناصرية.

وإذا كان الرئيس قد جامل الفلول وأكد رفضه لسياسة الانتقام، فليس أقل من أن يتدارك الأمر مع التيار الذي قيل بعد المرحلة الأولى من الانتخابات، انه التيار الذي يمثل ثورة 25 يناير، باعتبار أن غالبية الثوار انضموا لحملة تأييد المرشح حمدين الصباحي.

أنا على يقين أن الإخوان لو قرروا الدخول في معركة مع التيار الناصري والقومي فسوف يخسرونها حتما، ليس فقط لقوة هذا التيار وامتداد شعبيته، ولكن لأن الشارع المصري لديه شكوك كثيرة حول كل ما حدث وما يحدث، والجميع يعلم أن تأييد مرسي كان كرها لشفيق أكثر منه تأييدا لتيار الإخوان المسلمين، ومصر بحاجة الآن لتوحيد الصفوف ونبذ الخلافات، وهذه مهمة الرئيس الجديد قبل أي شخص أو جهة أخرى.