إيلاف: يرى عبد الله بن بجاد العتيبي ان مؤسس اخوان مصر لم يؤمن بالديمقراطية، وإن دخلها كوسيلة للاستحواذ على السلطة فقط، وكان رافضا للأحزاب السياسية، ومنحازا للعنف ضد مخالفيه داخل الجماعة، ويفضل استخدام العصا والضرب لتأديبهم، وتطور الأمر لديه ليؤسس تنظيما سريا للاغتيالات والقتل السياسي، ثم اتجه لتصدير الثورة فقادت جماعته انقلابا في اليمن.

ومن وجهة نظر العتيبي فان quot;الحرس القديم وأعضاء ذلك التنظيم السري ما يزالوا هم المهيمنين على صناعة القرار داخل الجماعة، وقد استطاعوا طرد كثير من (الإخوان) المختلفين معهمquot;.
وعلى صعيد اخوان مصر ايضا يشير عبدالله جمعة الحاج الى تخوف العديد من الأطراف في مصر مع وصول رئيس ينتمي إلى الإخوان المسلمين إلى سدة الرئاسة في مصر من أن quot;تتحول مصر إلى دولة ذات حكومة إسلاميةquot;.
لكن الحاج يرى ان أخذ ذلك الامر على إطلاقه quot;أمر غير ممكنquot; .
ويعود سبب ذلك بحسب الحاج إلى أنه بغض النظر عن اختلافات ثانوية فيما بين المفكرين المسلمين، إلا أنهم quot;يتفقون بشكل أساسي على وجود خصائص جوهرية للحكومة الإسلامية ترقى إلى أن تبرزها بأنها مثالية في كل شيء إلى درجة الطوباويةquot;.
وعودة الى كلام العتيبي في مقاله في جريدة الشرق الاوسط اللندنية فان quot; جماعة بهذا التاريخ وهذا الواقع هي جماعة لا تؤمن في تعاملاتها الداخلية بالديمقراطية، ولكن بعض المثقفين يرون وجوب القناعة بأنها ستلتزم بها في قيادة الدولةquot;.
ويتهم العتيبي جماعة الاخوان بان مفهومهم للديمقراطية quot; قصر على صندوق الاقتراعquot; ، بحيث ألغى الاخوان مفهوم الديمقراطية الواسع بما يشمله من ثقافة وفكر وفنون وإبداع، وتبعهم على هذا بعض المثقفين الذين ربما لم يعوا أن هذا التفريق الإخواني هو تفريق يخدم (الإخوان) ومشروعهم السياسي فقط، ولا علاقة له بتاريخ الديمقراطية ولا مفهومها.
وبحسب العتيبي فانه يمكن لاي متابع استحضار كثير من تخبطات رموز الإخوان المنتخبين مؤخرا ومرشديهم غير المنتخبين في تونس ومصر، ولكن بعض (الليبرو إخوان) وبشكل طقوسي يفضلون التغاضي عنها تماما واعتبارها غير ذات معنى لوجه صندوق الاقتراع وأرقامه.
ويشير العتيبي ايضا الى ان الكثير من الرموز والنخب والأحزاب المدنية في مصر أبدت خلال عام ونصف عام quot;تخوفات متفاوتة من وصول الإخوان لسدة الحكم ، وحين خرجت النتائج لم يرفض أحد منهم فوز الرئيس مرسي، لكنهم استمروا على قناعاتهم تجاه الإخوان ومشروعهم السياسي ثقافيا باستمرار النقد وسياسيا باختيار المعارضة، وهو ما لم يفعله بعض المثقفين العرب الآخرين بدعوى أن مجرد فوزه بأرقام الاقتراع يلغي كل المسائل التاريخية والثقافية والسياسية موضع الجدل مع الإخوانquot;.
أن الأحداث الكبرى توجب على المثقف بحسب العتيبي quot; إعادة القراءة للمعطيات والرؤية، لكنها لا تستلزم التغير بالضرورة ما لم تكن ثمة مبررات موضوعية لذلك. وفي العالم العربي ثارت جدالات عريضة ومستحقة حول المشهد برمته، إن في التوصيف أو القراءة والتحليل أو الرؤية المستقبليةquot;.
وضمن هذا السياق فمن الطبيعي بل من الصحي أن يستمر الجدل حول وصول جماعات الإسلام السياسي لسدة الحكم في عدد من البلدان العربية عبر صناديق الاقتراع، ومن المفيد أن تتعدد الرؤى ومداخل التحليل ومناهج التناول لظاهرة بهذا الحجم، وأن تعقد المقارنات، وأن يستحضر التاريخ والواقع والمستقبل، وأن تتم الإشارة للتحديات السياسية والاقتصادية والثقافية.
ويتابع العتيبيquot; التجربة الديمقراطية ليست واحدة لا في التاريخ القديم منذ اليونان فالرومان، ولا الحديث حيث أوروبا والغرب، ولا المعاصر حيث تجارب الغرب تختلف عن تجارب الشرق. ومن هنا فإن ما يطرحه بعض المثقفين من تصور التماهي بين مستوى الوعي الانتخابي لدى الناخب العربي والناخب الغربي فيه إغفال للتاريخ والسياقات الحضارية للأمم والدول والشعوبquot;.
من جانبه يشير عبدالله جمعة الحاج في مقاله في جريدة الاتحاد الاماراتية الى ان المفكرين المسلمين يرون بأن quot;الحكومة الإسلامية هي بديل كامل لكافة النظم التي تتواجد في عالم اليوم سواء كانت نظماً ديمقراطية - اجتماعية أو اشتراكيةquot;.
لكن الواقع يشير إلى أن ذلك البديل المثالي يحمل في طياته تشابهات واختلافات محددة مع النظامين السائدين في عالم اليوم، فالنظام السياسي الإسلامي لا يقوم على الجماعية لأن الدولة الإسلامية، والتي هي بالضرورة دولة أيديولوجية، تقوم على التشابه الأيديولوجي التام للمجتمع، لذلك فإن الصفة المتكشفة عن وحدة أيديولوجية متراصة وتناغم أيديولوجي كل هي الصفة الغالبة للدولة الإسلامية. وبالطبع أن هذا المظهر يقرب الدولة الإسلامية بشكل كبير نظرياً من النظم السياسية - الاجتماعية الاشتراكية التي منع فيها الاختلاف الأيديولوجي منعاً باتاً أياً كان مظهره ويميزها عن النظم الديمقراطية - الجماعية.
ومن جانب آخر، فإن النظام الاقتصادي الإسلامي ليس برأسمالي ولا اشتراكي، لكنه توجد بعض التشابهات بين الاقتصادات الإسلامية وكل من الرأسمالية والاشتراكية، فعن طريق اهتمامها بالمساواة الاجتماعية وضرورة اتباع السياسات التوزيعية، تتبنى الاقتصادات الإسلامية مبادئ اشتراكية معينة في نفس الوقت الذي تلتزم فيه بالملكية الخاصة ما يقربها من النظام الاقتصادي الرأسمالي، وهنا فإن نعت النظام الاقتصادي الإسلامي بأنه رأسمالي أو اشتراكي أمر غير مناسب، وذلك لأن النزعة الإسلامية نحو المساواة والحق في الملكية الخاصة، أمور مختلفة عن نزعات المساواة والحقوق في الاشتراكية والرأسمالية.
وتنظيرياً فإن المساواة والعدالة والحرية هي طروحات مركزية في النظم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الإسلامية وغير الإسلامية، لكن النزعات الإسلامية الخاصة بالمساواة والعدالة والحرية مختلفة بطريقة واضحة جداً عن نظيراتها كما تفهم وفقاً للمفاهيم الأخرى. فمن وجهة نظر عملية ونظرية تعود المساواة في الإسلام إلى المساواة بين المسلمين فقط عوضاً عن المساواة بين جميع أفراد المجتمع بعيداً عن انتماءاتهم الدينية، بما في ذلك المرأة.
وبحسب الحاج فان مصر التي وصل فيها رئيس الجمهورية الحالي إلى السلطة عن طريق تبنيها نظاماً جماعياً ديمقراطياً على النمط الغربي،quot; ليست بدولة إسلامية خالصة وإن كانت أغلبية سكانها من المسلمين، بل هي دولة علمانية ذات مجتمع مركب يقوم على مبادئ المواطنة، فهي تحتوي على عدد كبير من الأقباط وأقليات أخرى أفرادها مصريون ويحق لهم ما يحق لغيرهم من المواطنين، وللمرأة حتى الآن دور مساو لدور الرجل من الناحية السياسية على الأقل، فهي لها الحق في الترشح والانتخاب، وبأن تدلي بصوتها وفقاً لمبدأ صوت واحد لكل مواطن بغض النظر عن كونه رجلاً أم امرأةquot;.
و يتساءل الحاج : كيف يمكن لفكر حزب واحد أن يغير مصر إلى دولة ذات حكومة إسلامية، هل هذا ممكن؟ نعم، هذا ممكن في حالة واحدة فقط هي الانقلاب على الديمقراطية والتخلي عنها جملة وتفصيلاً.