احمد عياش
أذكر في العام 1984 أني كنت في مهمة صحافية في سوريا وعلى موعد مع العماد مصطفى طلاس لاجراء مقابلة تطلعت أن أفوز فيها بسبق تسجيل مواقف من كان أحد أركان نظام الرئيس حافظ الأسد في الشؤون العسكرية. وفوجئت انه أراد اللقاء في منزله بدمشق وليس في مكتبه في وزارة الدفاع. وبدلاً من أن تمضي الأمور في اتجاه اجراء حديث يتناول مسائل السلم والحرب بعد اجتياح اسرائيل للبنان عام 1982 أخذ طلاس الكلام نحو هواية التصوير التي يتمتع بها وعرض أمامي مجموعة آلات تصوير. وانتهى اللقاء يومذاك بأن أهداني كتابه الأنيق المؤلف من مجلدين والذي يحمل عنوان quot;ورد الشامquot;. وكلما عدت الى هذا الكتاب أجد فيه مرجعاً علمياً لورود الشام ومعها لبنان وسائر منطقة الشرق الاوسط. لكن ما يشد الانتباه الى الكتاب اليوم حديثه عن quot;مواسم الزهر طوال السنةquot;، كما يقول طلاس عن حمص مسقط رأسه حيث quot;كانت معظم مراجعاتي لدروسي تتم تحت ظلال الزيزفون بجوار سور المشتل الزراعي من الناحية الشمالية من حمص على طريق الرستنquot;. كل اسماء اماكن ورد الشام في الكتاب هي اليوم أسماء الخراب الذي الحقه بشار الأسد في كل انحاء سوريا.
من يستمع هذه الايام الى ما يقوله عبد الحليم خدام يوم كان وزيراً لخارجية سوريا في الثمانينات ايضاً ثم ليصبح بعد ذلك نائباً لرئيس الجمهورية أي حافظ الأسد، ثم يقرأ كتابه quot;التحالف السوري الايراني والمنطقةquot; الصادر قبل عامين يجد ان الرجل من طينة قول الاشياء كما هي فلا ينكر خطأ ولا يقلل صواباً في عهد الأسد الأب.
في لبنان، يطل الأمين العام لـquot;حزب اللهquot; حسن نصرالله في احتفال حرب تموز 2006 ليشيد بسوريا بشار الأسد لا سوريا خدام. وكأن الاخير الذي أمضى عقوداً في ادارة ملفات سوريا الخارجية المتعلقة بلبنان وفلسطين والخليج وايران هو عابر سبيل لا يرتقي الى النظام الذي ربط نصرالله مصيره حالياً به. ومثل نصرالله، النائب ميشال عون الذي محا من تاريخه زمناً طويلاً من العداء لسوريا في عهد الأسد الأب ومن ثم في القسم الأول من عهد الأسد الابن بين عامي 2000 و2005 ليصبح اليوم مدافعاً عن نظام يمارس أبشع أنواع الظلم بحق شعبه. فيكرر بذلك سيرته مع الرئيس العراقي السابق صدام حسين عندما كان عون حليفاً له في زمن التحولات التي أطاحت بديكتاتور العراق لاحقاً.
الفارق بين طلاس وخدام من جهة وبين نصرالله وعون من جهة أخرى، ان معدن الرجال هو فارق جوهري. فعلى رغم العواصف التي تهب على سوريا اليوم لا ينزلق رجالاتها في حقبة حافظ الأسد الى درك المهاترات. في حين أن رجالات زمن الوصاية السورية، على غرار نصرالله وعون يسابقان الطاغية في التعبير عن تبعيتهما له ومساندة بطشه لشعبه. إذا عاد للشام وردها لا بد للبنان من أن يتخلص من أشواكه.
التعليقات