سمير الحجاوي

يواجه اللاجئون الفلسطينيون في سوريا وضعا صعبا ومعقدا بنفس القدر الذي يعاني منه الشعب السوري الثائر من عصابات الأسد وشبيحته، إلا أن معاناة الفلسطينيين في سوريا مركبة بسبب وضعهم على هامش الأحداث في سوريا، واعتبار ما يصيبهم quot;أثارا جانبيةquot; للصراع هناك، مما يضعهم في مرتبة متأخرة من حيث الاهتمام الإنساني والإعلامي.

لا يمكن فصل الوضع الاجتماعي والمعيشي للفلسطينيين في سوريا عن المواطنين السوريين، فغالبيتهم يتمتعون بكل الحقوق باستثناء الجنسية، مما جعل منهم جزءا من النسيج الاجتماعي السوري، وتداخلت بعض المخيمات الفلسطينية مع الأحياء السورية بشكل كبير، مما خلق وحدة في المزاج والسلوك وحتى طريقة الكلام، فغالبية الفلسطينيين هناك يتكلمون باللهجة السورية، ولا تكاد تميزهم عن غيرهم.

إلا أنه مع تفجر الثورة السورية في 15 مارس 2011 سارعت بثينة شعبان، مستشارة رئيس النظام البعثي بشار الأسد إلى اتهام الفلسطينيين بالتورط في الأحداث التي وقعت في مدينة اللاذقية بعد 10 أيام من اندلاع الثورة واتهمتهم quot;بكسر المحلات التجارية والبدء بمشروع الفتنةquot;، وكان هذا التصريح بمثابة تدشين لحملة استهداف الفلسطينيين في سوريا من قبل النظام، وهي الحملة التي تحولت بعد ذلك إلى هجوم عسكري على المخيمات الفلسطينية واستهدافها بالقصف والمداهمات، رغم أن أيا منها لم يشارك في الثورة السورية، وجل ما قام به اللاجئون الفلسطينيون هو استقبال العائلات السورية التي فرت إلى المخيمات هربا من الموت، أو إسعاف بعض الجرحى، وهو ما لم يكن يرغب نظام الأسد الإرهابي به، وأدى استهداف المخيمات الفلسطينية إلى استشهاد 297 فلسطينيا.

هذا الوضع الخطير دفع عددا من الفلسطينيين إلى مغادرة المخيمات والتوجه إلى مناطق أخرى، خاصة إلى الأردن، حيث توجه 905 فلسطينيين إلى هناك من بين 140 ألف سوري فروا إلى الأردن، لكن اللاجئين الفلسطينيين كانوا quot;أقل حظاquot; من السوريين، فلم تقبل السلطات الأردنية استقبال أي لاجئ فلسطيني وقامت باحتجازهم في بناية سكنية واحدة تتكون من 6 طوابق تضم 140 غرفة، الأمر الذي دفع منظمة quot;هيومن رايتسquot; إلى اتهام الأردن بالتمييز في معاملة اللاجئين الفلسطينيين الفارين من سورياquot; ووصف تقرير للمنظمة الطريقة التي يحتجز فيها الفلسطينيون في quot;سايبر سيتيquot; بأنها تتطابق مع تعريف quot;الاحتجازquot; كما تعرفه المفوضية السامية لشؤون اللاجئينquot;، أي أن هؤلاء الفلسطينيين في quot;حالة اعتقالquot; غير معلن، رغم أن بعضهم يحملون وثائق أردنية ومنهم من يحمل رقماً وطنياً، وجزءاً من عائلته يعيش في الأردن.وقد دفعت هذه الظروف غير الإنسانية إلى إعلان اللاجئين الفلسطينيين المحتجزين في quot;سايبر ستيquot; مقاطعتهم لجميع الهيئات والمنظمات الدولية مطالبين بإخراجهم من المجمع مع استعدادهم لتقديم الضمانات اللازمة للحكومة الأردنيةquot;.

وهنا لابد من الإشارة إلى أن سوريا تعتبر الدولة الثانية بين الدول العربية من حيث عدد اللاجئين الفلسطينيين على أراضيها بعد الأردن. ويبلغ عددهم 510 آلاف لاجئ مُسَجل في وكالة الأونروا. فيما تقدر بعض المؤسسات عددهم بنحو 600 ألف لاجئ من مختلف الفئات يتمركزون في 13 مخيما و14 تجمعا، تعترف الأنروا بعشرة منها فقط، ويسكن 80% منهم في العاصمة دمشق وريفها.

وتشمل فئات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا لاجئي عام 1948 و1956 و1967 والفارين من الأردن عام 1970، والفارين من العراق عام 2006، وهم يعيشون في سوريا بصورة مؤقتة بانتظار ترحليهم ويقدر عددهم بحوالي 6000 فلسطيني، أما بالنسبة للفلسطينيين الذين لجأوا إلى سوريا من الأردن فيحمل كبار السن منهم الجنسية الأردنية لكن جوازات سفرهم منتهية الصلاحية في حين لا تملك الأجيال الشابة أي وثيقة تثبت هويتهم، ولذلك فهم يعانون في العمل والدراسة والسفر، ويقدر عددهم بعشرات الآلاف بسبب عدم وجود إحصاء دقيق لهم.

لقد تحول الفلسطينيون إلى مكسر عصا وضحية لكل الأزمات في العالم العربي، فقد جرى قتل آلاف الفلسطينيين في الأردن عام 1970، وتم استهدافهم في الحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعت عام 1976، ويشهد مخيم تل الزعتر على مجازر حافظ الأسد وحلفائه في القوات اللبنانية المارونية، وفي عام 1982 قتلت الكتائب اللبنانية المارونية وجيش الاحتلال الإسرائيلي آلاف الفلسطينيين في مخيمات صبرا وشاتيلا، في عام 1983 حاصرت مليشيا أمل الشيعية المخيمات الفلسطينية في لبنان، وفي عام 1990 فر من الكويت 400 ألف فلسطيني بسبب الاجتياح العراقي،ودفعت عمليات القتل الممنهجة والاستهداف الطائفي آلاف الفلسطينيين إلى الهرب من العراق، وطرد العقيد المقبور معمر القذافي مئات اللاجئين الفلسطينيين إلى وادي العقارب في الصحراء بحجة إعادتهم إلى فلسطين، والآن يفر اللاجئون الفلسطينيون من سوريا إلى تركيا ولبنان والأردن.

مشكلة اللاجئين الفلسطينيين الكبرى أنهم متروكون في العراء من دون حماية، وبدون وجود مرجعية فلسطينية فاعلة، أو قيادة قادرة على حمايتهم، فالسلطة الفلسطينية وجميع الفصائل تعاني من العجز والتناحر والارتهان لهذه الجهة أو تلك، مما يصيبها بالشلل وعدم القدرة على حماية الشعب الفلسطيني، خاصة اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، مما يضعهم في quot;الطاحونةquot; بين رحي الأنظمة العربية الشمولية وسندان عجز القيادات quot;المفروضة على الشعب الفلسطينيquot; بقوة السلاح أو المال أو القوى الدولية والإقليمية.

لابد من إنقاذ اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، وتسليط الأضواء على معاناتهم ومساعدتهم وعدم تركهم في العراء، وهذا يتطلب من الشعب الفلسطيني خلق قيادات جديدة قادرة على التعبير عن مصالحه وحمايته بكل الطرق وعدم تركه نهبا للمجازر والمذابح والاستهداف الدائم