سمير عطا الله

قبل أشهر ذهب نائب نوري المالكي إلى أربيل، يشكو رئيس وزراء laquo;دولة القانونraquo; في العراق، كأنما أربيل في بلد آخر. ويأتي رجال الأعمال العرب إلى أربيل في رحلات مباشرة، محلقين فوق بغداد والبصرة ومهرجان المربد دون المرور بها. والآن سوريا التي كانت ناسية عدد الأكراد لديها، لأنهم غير مسجلين أصلا، أغدقت على أكرادها الامتيازات، أشكالا وأنواعا، فيما يرأس المجلس الوطني في الجهة الأخرى، سياسي كردي.

تتدلل عيني، يقول العراقيون، لكن لم يقلها أحد للأكراد من قبل، واليوم يفيد الأكراد من اختلاف العرب فيما بينهم، ومن اختلاف العرب مع تركيا. وما لم يعط للأكراد في اتفاقية سايكس - بيكو قد يأخذونه الآن من دون منة أحد: وجودا ذاتيا لا يقل أهمية عن الدولة المستقلة، ما بين سوريا والعراق وإيران. بعد قرن من الاضطهاد يتسابق المضطهِدون السابقون إلى إرضاء هذا اللاعب الأساسي والمتدلل والمحنك. لا يقدم بيادقه إلا عندما يتأكد أن اللاعبين الآخرين قد واجهوا الجدار. والجدار هو حال العرب عموما اليوم، بعدما ظل العرب يرددون أمثالا تدل على عناد الكردي. أما الآن فقد تعلم الأكراد الأمثولة وتركوا العناد لأصلافهم العرب والأتراك.

يمارس الأكراد في سوريا سياسة فائقة البراعة، يلعبون على الصراع ما بين النظام وأعدائه. بدل العناد ونطح الحيط، يعرضون الحيط الكردي الشهير على الراغبين: تفضلوا أنتم انطحوه. هذه ساعة الحظ، والحظ في العالم العربي دائما مكفهر ومخضب ولا يعرف الابتسام. يقبضون بحنكة على عطاء الحظ وتعقيد المخارج. لن يتركوا المناسبة تفر من أيديهم بعد عشرات العقود من التنكيل والضرب والازدراء والإهمال.

طبعا لم يكن المواطن العربي يلقى من الأنظمة معاملة أفضل من جاره الكردي، لكنه على الأقل كان موجودا كمخلوق، ولو غير بشري، غالب الأحيان. أما الكردي فكان موجودا كطريد مقاتلات في الجبال وجرثومة سريعة الموت في كيميائيات علي الكيماوي ومشاريع laquo;الرئيس صدامraquo; لإحياء الأمة العربية والإمبراطورية العباسية، لكنه جابه ثلاثة عوائق أمام ذلك: الكويت والأكراد وإيران.

كنا نتمنى على الإخوة الأكراد، مهما حصل، أن يبقوا معنا، لكن كيف يمكننا أن نقنعهم بذلك؟ وكيف؟ استغلوا عرقنة العراق لإقامة وجودهم والآن يستغلون عرقنة سوريا. وصار على العراق (دولة القانون وديمقراطية المالكي) رئيس كردي، والآن يضع السوريون كرديا على رئاسة المعارضة. وسبحانه كم يغير.