محمد بن عبد اللطيف ال الشيخ

لماذا تصر روسيا والصين على دعم أسرة الأسد لتحكم سوريا طالما أن الوضع يزداد سوءاً وتفاقماً، ويقفون مع نظام أصبح تاريخه مرتبطاً بالمجازر والدم والسحق والإبادة ارتباط الكف بالمعصم؛ إضافة إلى أن الإمعان في دعم هذا النظام المتهالك ومساندته وحمايته هو تكريس لصورة الروسي أو الصيني (القبيح) في الذهنية الشعبية العربية عموماً والسورية على وجه الخصوص؛ هذه الصورة النمطية سيبقى تأثيرها السلبي مدة طويلة من الزمن، فإذا كانت منطقة الشرق الأوسط وسوريا على وجه التحديد تهمهم كما يقولون فلماذا يصرون على موقفهم طالما أن كل المؤشرات تؤكد أن النتيجة محسومة، وأن سقوط الأسد مجرد وقت؟

هناك عدة تفسيرات لموقف هاتين الدولتين الداعم للأسد إلى هذه الدرجة غير المعقولة وغير المبررة والتي قد تبدو غبية لكثير من العرب على وجه الخصوص.

أقرب التفسيرات التي قد تُبرر مثل هذا الموقف المناوئ للثورة السورية، وتعطي تفسيراً معقولاً نوعاً ما لتمسك الروس والصين بالأسد هو خوف الساسة الروس من أن تنتقل عدوى الثورات الشعبية إليهم وإلى شعوبهم. فمقاطعات روسيا كداغستان مثلاً سكانها 95 % منهم مسلمون؛ وينسحب ذلك على أغلب مناطق القوقاز الشمالية أيضاً، وهناك طرح سياسي ما زال قوياً في هذه الأجزاء من روسيا الاتحادية يدعو إلى الثورة والانفصال، والتحرر من نير الاحتلال الروسي، إضافة إلى أن روسيا البيضاء، ورئيسها الديكتاتور (ألكسندر لوكاشينكو) الحليف القريب جداً لموسكو؛ مُهددة بثورة شعبية في أية لحظة؛ فنظام لوكاشينكو والأسد وجهان لذات العملة تقريباً في كل شيء؛ لذلك فإفشال الثورة في سوريا هو في الواقع إيقاف لارتدادات هذه الزلازل والثورات والقلاقل الشعبية لكي لا تمتد إلى المناطق الروسية نفسها أو مناطق نفوذهم في الجوار الروسي. وهذا يعني أن روسيا تتخذ من الأسد ونظامه (سداً) يمنع وصول طوفان الثورات إليها وإلى المناطق المرتبطة بها استراتيجياً؛ وبالتالي فإن مهمة الأسد (فقط) تنحصر في تحجيم هذه الثورات، حتى وإن كان الثمن تصدّع وضعف النظام نفسه؛ ففي تقديرهم أن (الدم) السوري كلما زاد تدفقاً في سوريا، واتسعت مساحة الدمار والخراب، أضعف في المقابل من ألق هذه الثورات، وقدرتها على جذب الشعوب للاقتداء بها، وتمت في النتيجة محاصرتها ومنعها من الوصول إلى هناك.

ما يُعزز هذا التحليل، ويجعله معقولاً في رأي من يرجحونه أن بوتين يرفض بإصرار أن يتنحى الأسد عن رئاسة سوريا قبل إقرار المرحلة الانتقالية التي وافقت عليها روسيا في مؤتمر جنيف من حيث المبدأ، لأن تنحيه يعني ببساطة أن الثورة قد انتصرت، وانتصار الثورة هو ما تسعى روسيا لإجهاضه.

والتحليل ذاته يصدق على الصين أيضاً، فهذه الدولة تحديداً من أكثر دول الشرق الأقصى توجساً وخوفاً من نجاح الثورات في أي جزء من العالم، ومن ثمَّ انتقالها إليها. فالصين -مثلاً- تحجب مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت مثل تويتر والفيس بوك؛ وتُوفِر مواقعاً صينية مماثلة تقوم بالوظيفة نفسها، لكن تحت عين ورقابة السلطات الصينية؛ فحين تكتب مثلاً (ثورة مصر) في محرك بحث منافسي تويتر في الصين مثل Sina.com وSohu.com، ستحصل على إشارة تقول: إنه لأسباب قانونية لا يمكن عرض نتائج هذا الموضوع.

ومهما يكن التحليل الأقرب للواقع إلا أن هاتين الدولتين (روسيا والصين) قد فقدتا دون أدنى شك شعوب المنطقة العربية، ودفعتا ثمناً باهظاً على المستوى الاستراتيجي نتيجة لوقوفهم هذا الموقف المناصر والداعم لرئيس يقتل شعبه، بغض النظر عن المبررات والدوافع في نهاية المطاف.

إلى اللقاء.