تسفي برئيل


اذا وافق الاخضر الابراهيمي على ان يحل محل كوفي عنان كمبعوث للامم المتحدة للشأن السوري، فانه سيغلق دائرة مشوقة. 23 سنة مرت منذ التقى الابراهيمي بعائلة الاسد في آخر مرة في اطار مهمة تنسيق. في حينه دُعي الى القيام بمهمة اعتبرت متعذرة: انهاء الحرب الاهلية في لبنان التي استمرت 15 سنة. آلاف الاشخاص قتلوا في تلك الحرب، التي هربت من لبنان مئات الآلاف وخلقت جيوبا من الجماعات المتقاتلة من كل نوع وطراز. الثورة الاسلامية اكتملت، وهكذا ايضا الاحتلال السوفييتي في افغانستان والاجتياح الاسرائيلي للبنان. سوريا سيطرت على الدولة التابعة لها، ياسر عرفات وقوات فتح قاتلت وهُزمت ايضا، حزب الله أصبح قوة مهددة والحرب الأهلية لا تزال مستمرة. والى هذا المعمعان أُرسل من كان وزير الخارجية الجزائري، الدبلوماسي المجرب، لطيف الحديث، المتقن للعربية، الفرنسية والانجليزية، كي يبني دولة سيادية موحدة.


وكانت الاحتمالات هزيلة. الرئيس السوري حافظ الاسد لم يجد أي سبب يجعله يتعاون مع وساطة الجامعة العربية التي كان من شأنها ان تجبره على رفع يده عن لبنان. كل اقتراح عُرض عليه رفضه وساعات الحوار الطويلة التي تميز بها الاسد الأب، أنتجت احباطا إثر احباط. ولكن كان للابراهيمي فكرة. قرر تقسيم الوساطة. في البداية محاولة توحيد الفصائل اللبنانية، وفقط لاحقا اقناع الاسد بالانضمام ليكون شريكا في النتائج. كما انه فهم بأن الحوار بين الفصائل في لبنان سيفشل، ولهذا اقترح نقل الوساطة الى خارج الدولة. وقد اختيرت مدينة الطائف في السعودية لاستضافة المندوبين اللبنانيين، الذين خرجوا منها مع 'اتفاق الطائف' الذي وضع الأساس لانهاء الحرب، الانتخابات العامة واعادة التوزيع للقوة السياسية بين الطوائف.
بعد أكثر من عقد من ذلك، بعد ان احتلت الولايات المتحدة افغانستان وأسقطت حكم طالبان، ظهر الابراهيمي مرة اخرى. هذه المرة عينه كوفي عنان، في حينه الامين العام للامم المتحدة، لبناء ائتلاف افغاني يمكنه ان يأخذ على عاتقه ادارة الدولة. ومثل لبنان، كانت افغانستان ايضا مبنية من فسيفساء من القبائل، زعران الحرب، فصائل عرقية وطوائف دينية الصراع الداخلي بينها هو القاسم المشترك التاريخي لها. ومثلما في لبنان، اتخذ الابراهيمي طريقة التقسيم. بدأ من الدائرة الداخلية، أدار مئات المحادثات مع ممثلي معظم الفصائل، أقنع وهدد، تحدث برقة ورفع صوته، فيما كان هدفه هو تحقيق قاسم مشترك داخلي يسمح له بعد ذلك باقناع الدول المجاورة، ولا سيما ايران والباكستان، بتأييد النظام الافغاني الجديد. ومثلما في لبنان، في حالة افغانستان ايضا وجد الابراهيمي رعاية لدى دولة اجنبية. المانيا، التي استضافت في العام 2001 في بون مؤتمر اقامة الحكم الافغاني المؤقت، الذي أشرف عليه الابراهيمي.
بعد ثلاث سنوات من ذلك استقال الابراهيمي بغضب من مهمة الوساطة الجديدة التي كلفه بها الامين العام للامم المتحدة. وقد طُلب اليه مرة اخرى المساعدة في اقامة حكومة جديدة وتهيئة التربة لبناء دولة. هذه المرة في العراق. غير انه في بغداد اصطدم بقوة بالموقف الامريكي، الذي رأى في الامم المتحدة مجرد غطاء لتسويغ الاحتلال الامريكي. فالولايات المتحدة لم تكن معنية بتدخل الامم المتحدة في تعيين الحكومة المؤقتة. وآمن الابراهيمي بأنه لن يكون ممكنا اجراء انتخابات حقيقية في الدولة عندما يسود الارهاب، وعرف ايضا، بعد ايام وليال قضاها، على عادته، مع مندوبي الحركات المختلفة والتيارات المتخاصمة، من يمكنه ان يكون في الحكومة المؤقتة التي ستتسلم المسؤولية من أيدي الامريكيين.


غير انه كان للولايات المتحدة بقيادة بوش خطة اخرى. فهي لم تعتزم على الاطلاق نقل صلاحيات حقيقية للحكومة العراقية، ومن اجل تحقيق أمنيتها ان تدير العراق وان تظهر بمظهر جيد على حد سواء قرر الحاكم الامريكي بول برمر تعيين اياد علاوي رئيسا للحكومة المؤقتة. الابراهيمي، الذي أيد مرشحين آخرين، أكثر قبولا من الجمهور العراقي، فهم المناورة واستقال. وقال 'بريمر هو دكتاتور العراق، لديه المال ولهذا ففي يده القرار'.
ثماني سنوات مرت منذئذ. والابراهيمي هو الآن ابن 78 سنة، مقرب من العائلة المالكة في الاردن ابنته، ريم الابراهيمي، التي كانت مراسلة الـ سي.ان.ان، تزوجت من الأمير علي، الابن الرابع للملك حسين وهو مطالب بأن ينجح حيثما فشل رئيسه السابق. فضله في انه يعرف بشار الاسد والعائلة الحاكمة في سوريا. والآن ايضا تنبسط أمامه حرب أهلية ويمكنه مرة اخرى ان يمتشق التكتيك الذي جربه بنجاح في لبنان في 1989، وفي افغانستان في 2001. ومقارنة بعنان، يمكنه ان يتحدث مع الاسد بلغته. السؤال هو اذا كانت كل الأطراف على ما يكفي من التعب كي يستندوا الى الدبلوماسي الجزائري وان يدعوه يجرهم الى قاعات المؤتمرات، التي يحتمل ان هذه المرة ايضا تقع في اماكن خارج سوريا.


هآرتس