Liz Sly

بعد أن كانت المعارضة السورية تعتبر الولايات المتحدة صديقة طبيعية لها في نضالها لتعزيز الحريات ضد النظام الذي كان دوماً في مواجهة الغرب، يبدو أنها تنظر إليها الآن بعين الشك والبغض بسبب امتناعها عن تقديم مساعدة ملموسة عدا التشجيع الشفهي للثوار.
بينما تتابع أكثر الثورات العربية دمويةً تشويه الناس وقتلهم وتدمير حياتهم بوتيرة متصاعدة غير مسبوقة، تتزايد المشاعر المعادية للولايات المتحدة في أوساط الثوار الذين يسعون إلى إسقاط الرئيس بشار الأسد، ما قد يؤدي إلى عواقب وخيمة على البلد والمنطقة في حقبة ما بعد الأسد.
بعد أن كانت المعارضة السورية تعتبر الولايات المتحدة صديقة طبيعية لها في نضالها لتعزيز الحريات ضد النظام الذي كان دوماً في مواجهة الغرب، يبدو أنها تنظر إليها الآن بعين الشك والبغض بسبب امتناعها عن تقديم مساعدة ملموسة عدا التشجيع الشفهي للثوار.
خلال 17 شهراً منذ أن انضم السوريون إلى موجة التغيير التي اجتاحت الشرق الأوسط في السنة الماضية، صوّت التونسيون والمصريون والليبيون في الانتخابات واختاروا قادة جدداً وأبحروا في عمليات انتقالية ديمقراطية ولو كانت فوضوية.
في المقابل، تغرق سورية في صراع شامل لا تبدو نهايته وشيكة. يقول ياسر أبو علي، متحدث باسم إحدى كتائب الجيش السوري الحر في بلدة الباب التي تقع على بعد 30 ميلاً من حلب: ldquo;كل ما نحصل عليه هو الكلامrdquo;.
يقول الثوار إنهم لا يريدون حدوث تدخل عسكري مباشر عبر نشر قوات ميدانية، بل إنهم دعوا بشكل متكرر إلى فرض منطقة حظر جوي بما يشبه الجهود التي ساعدت الثوار الليبيين على إسقاط معمر القذافي في السنة الماضية فضلاً عن الحصول على إمدادات من الأسلحة الثقيلة لمواجهة أسلحة النظام المتفوّقة بحسب رأي الثوار وشخصيات في المعارضة.
عندما يسقط النظام، وهو أمر يتوقعه المتحدث باسم كتيبة الثوار، لن ينسى السوريون أن مطالبهم لم تلقَ أي آذان صاغية.
أوضح المتحدث: ldquo;الولايات المتحدة ستدفع ثمن ما فعلته. ستخسر الولايات المتحدة صداقة السوريين ولن يثق بها أحد بعد الآن، فنحن أصلاً لا نثق بها مطلقاًrdquo;.
لا يمكن القول إن الولايات المتحدة لا تحرك ساكناً لمساعدة المعارضة السورية لكن لم يتضح بعد ما يمكن أن تفعله لتعزيز مساعدتها وفق المحللين. يحتدم الجدل داخل إدارة أوباما حول صوابية تعزيز دعم الثوار بعد فشل الجهود الرامية إلى فرض حل دبلوماسي عن طريق الأمم المتحدة.
سبق أن سمح الرئيس أوباما بتقديم مساعدات غير فتاكة إلى المعارضة، مثل معدات الاتصال والأجهزة الفضائية. كانت وزارة الخارجية الأميركية تتواصل مع خصوم الأسد داخل سورية بهدف تحديد هوية الحلفاء المحتملين ومعرفة الأشخاص الذين يتلقون المساعدات.
تشير مصادر المعارضة السورية إلى أن المعارضين تلقوا مساعدة مالية لشراء الأسلحة من حليفتَي الولايات المتحدة: المملكة العربية السعودية وقطر، وتسهّل تركيا بدورها تحرّك الثوار على طول حدودها مع سورية على مسافة 550 ميلاً، بما في ذلك نقل الأسلحة.
لكن بقيت المساعدات محدودة ومتقطعة وطغت عليها المطالب بتوسيع ساحة المعركة التي تغطي الآن جميع زوايا البلد وقد امتدت لتشمل استعمال القوة الجوية من جانب النظام. حصل الثوار على معظم الأسلحة المستعملة ضد قوات الأسد بفضل المساعدات الخارجية لكن لا يعلم معظم قادة الثوار مصدرها الحقيقي.
قال قائد في الجيش السوري الحر من بلدة الباب عرّف عن نفسه باسم عبد الرزاق: ldquo;نحن لا نحصل على مساعدة من أحدhellip; نحن نتكل على أنفسنا حصراًrdquo;. يؤكد الثوار من أنحاء البلد الأمر نفسه.
أوضح جوزيف هوليداي الذي يراقب نشاطات الجيش السوري الحر في معهد دراسات الحرب في واشنطن أن المعدات الأساسية في ترسانة الثوار تأتي من إمدادات اشتروها في السوق السوداء أو من الأسلحة التي استولوا عليها من النظام.

في الوقت نفسه، سبق أن قطع الثوار شوطاً طويلاً نحو تحقيق واحد من أبرز مطالبهم: إنشاء معقل يخلو من قوات النظام. كان الصبي عبدالرحمن صبحا (11 عاماً) الذي تعرض لإصابة حادة في ركبته اليسرى أحد ضحايا المعركة الأخيرة للسيطرة على بلدة الباب حيث طرد المقاتلون قوات النظام في الأسبوع الماضي، فانضمت المنطقة بذلك إلى مجموعة من الأحياء ldquo;المحررةrdquo; التي تمتد جنوباً من الحدود مع تركيا باتجاه حلب.
قال عمر صبحا الذي يبلغ 21 عاماً (فيما كان شقيقه الأصغر مستلقياً تحت غطاء ملطخ بالدم وكان وجهه شاحباً من الألم والحيرة): ldquo;كان يمكن أن تمنع الولايات المتحدة والغرب ما حصلrdquo;. كان عبدالرحمن قد أصيب في اليوم السابق بصاروخ أُطلق على ما يبدو من مروحية خارج منزله. قال الشقيق الأكبر: ldquo;كانوا يستطيعون مساعدتنا ولكنهم لا يريدون ذلك، فهم لا يتحلون بالشجاعة الكافية ولا ينوون تقديم المساعدةrdquo;.
لا تزال المناطق التي وقعت تحت سيطرة الثوار ضمن نطاق مدفعيات النظام وقواته الجوية، لكن تحاول المعارضة السورية رغم ذلك إقناع تركيا وحلفائها في حلف الأطلسي بفرض منطقة حظر جوي تمكّن الثوار من التجمع وتنظيم أنفسهم هناك بحسب قول لؤي مقداد، منسّق في الجيش السوري الحر في إسطنبول.
لكن سرعان ما تلاشت الدعوات إلى تنفيذ تدخل دولي بعد سقوط القذافي في السنة الماضية، عندما حمل المحتجون السوريون يافطات تطالب بمساعدة حلف الأطلسي، فحلّت مكانها رغبة في الاتكال على النفس.
قال أحمد دوش (24 عاماً)، طالب في جامعة حلب ينتظر الحصول على سلاح كي ينضم إلى الجيش السوري الحر: ldquo;بعد كل ما عشناه، لا نريد أي مساعدة من الغرب. نعلم أن الله وحده يستطيع مساعدتنا. نحن نؤمن بالله ووحده الله سينهي هذه الأزمةrdquo;.

وصف دوش نفسه بأنه إسلامي ولكنه ليس متطرفاً، لكن في زمنٍ يحاول فيه المجاهدون المتأثرون بتنظيم ldquo;القاعدةrdquo; تثبيت وجودهم في سورية، قد تترسخ نزعة إسلامية معادية للولايات المتحدة بين السوريين المستائين، بحسب قول أندرو تابلر من معهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى، يرى هذا الأخير ضرورة أن تختار الولايات المتحدة تسليح جماعات الثوار التي تدعم المصالح الأميركية.
أوضح تابلر: ldquo;إذا تابعت واشنطن مسارها الراهن، فلن تخدم السلطة السياسية التي تصل إلى الحكم في نهاية المطاف المصالح الأميركية. ستكون خسارتنا لسورية العلمانية والديمقراطية خسارة كبيرةrdquo;.
بالنسبة إلى بعض السوريين، أصبحت عروض المساعدة متأخرة جداً الآن، إذ قال الناشط في بلدة الباب، باري عبداللطيف (30 عاماً): ldquo;بعد أن فرض الثوار سيطرتهم في مدينة حلب التجارية وبدؤوا يشقون طريقهم إلى دمشق، يتزايد الأمل في أن يتمكنوا من إنهاء ما بدؤوه من دون مساعدة أحد. في هذه الأيام، أشكر الله لأن أحداً لم يدعمنا لأنني أظن الآن أنه من الأسهل علينا أن نبني سورية الجديدة بأنفسنا من دون تطبيق أجندات الآخرين. لقد طلبنا المساعدة ولم يستجب أحد. الوضع أفضل بهذه الطريقةrdquo;.