Andrew McCarthy
سبق أن استنتجتُ مراراً وتكراراً عدم صوابية الافتراض القائل إن الجيش المصري يؤيد الأميركيين أو إنه حليف موثوق ضد التفوق الإسلامي، وتعكس القوات المسلحة المصرية توجّه المجتمع عموماً، كما أن الأغلبية المصرية إسلامية وفق اعتراف صحيفة laquo;تايمزraquo;، وكذلك، لطالما شمل الجيش المصري الإسلاميين في صفوفه.
في وقت سابق من هذا الأسبوع، كتبتُ مقالة عن عبدالفتاح السيسي، وهو أحد أعضاء laquo;الإخوان المسلمينraquo; الذي ترقى إلى منصب وزير الدفاع في الجيش المصري: إنها القوات المسلحة التي أصبح السيسي مسؤولاً عنها الآن بأمرٍ من محمد مرسي الذي انتُخب رئيساً لمصر منذ بضعة أسابيع، علماً أنه عضو من laquo;الإخوان المسلمينraquo; أيضاً. نُشرت المقالة في صحيفة laquo;وول ستريت جورنالraquo; ضمن التغطية الصحافية التي رافقت تعيين السيسي بهدف تسليط الضوء على ناحية إيجابية وسط الوضع الكارثي المرتقب، وحرصت الصحيفة على تغطية جميع أحداث حكاية laquo;الربيع العربيraquo; الخيالية منذ البداية، فانضمت إلى المعسكر الأميركي الذي يعتبر تزايد قوة النزعة التوتاليتارية الإسلامية موجة عفوية نتيجة ارتفاع حمى الحرية، ومع ذلك، أكثر ما يلفت النظر هو تجاهل الصحيفة التركيز على تعاطف الجنرال السيسي مع laquo;الإخوانraquo; والاكتفاء بذكر الأمر في نهاية تحقيق طويل.
جاء هذا التعليق بعد مقطع إيجابي يتحدث عن تعامل السيسي طوال عقود مع نظرائه العسكريين الأميركيين ومكانته المرموقة بنظر المسؤولين في إدارة أوباما، ما ينعكس إيجاباً على العلاقات المستقبلية بين الولايات المتحدة ومصر وعلى أمن إسرائيل.
يبدو أن أبرز وسائل الإعلام تتبع نمط تفكير خاص بها: لقد أمضينا 30 عاماً وأنفقنا حوالي 45 مليار دولار ونحن ندعم الجيش المصري، ما يعني أنه لن يقف مكتوف اليدين ويدع مصر تسقط تحت الحكم الإسلامي، لكن في القريب العاجل، قد يضطر الأميركيون إلى استعمال منطق تفكير مغاير: الحكم الإسلامي معتدل بالفعل وهو يتماشى بالكامل مع الديمقراطيةhellip; يوم الجمعة، كتبت صحيفة laquo;نيويورك تايمزraquo; عن تعيين إسلامي بارز آخر في منصب عسكري مهم في الدولة المصرية الجديدة التي تخضع لحكم laquo;الإخوانraquo;: إنه الجنرال صدقي صبحي الذي عُيّن لتوه في منصب رئيس هيئة أركان الجيش.
لكن تبين أن صبحي هو كاتب البحث الأكاديمي الذي ينتقد بشدة السياسة الخارجية الأميركية ويعتبر أنها لا تحترم الشريعة بما يكفي وأنها منحازة لإسرائيل، حتى إنه يدعو إلى laquo;انسحاب القوات العسكرية الأميركية بشكل دائم من الشرق الأوسط والخليجraquo;.
لكن لا بد من الإشادة بصحيفة laquo;تايمزraquo; لأنها لا تكرر خطأ صحيفة laquo;جورنالraquo;، وبدل نشر تحليلات مبهمة، سلّطت صحيفة laquo;تايمزraquo; الضوء على مواقف الجنرال صبحي، ليدرك القارئ فوراً أنه يعارض بشدة الوجود العسكري الأميركي في المنطقة، كما أنه يدعي أن الولايات المتحدة مسؤولة عن مشاكلها لأنها laquo;غارقة في حرب عالمية لا يمكن الفوز بها مع المتشددين الإسلاميينraquo;.
يمكن تبرير مشاعر الجنرال تلك، لكن لم تذكر صحيفة laquo;تايمزraquo; الكثير عن قناعاته الإسلامية وطريقة تفكيره حتى نهاية المقالة. في ذلك الجزء فقط، يدرك القارئ أن صبحي كان يتذمر من laquo;عدائية الولايات المتحدة تجاه دور الحكم الإسلاميraquo; ويعترض على تصنيفات الولايات المتحدة التي تضع تنظيم laquo;القاعدةraquo; والجماعات الإسلامية الأخرى في خانة laquo;المنظمات الإرهابية غير المنطقيةraquo; (بحسب كلمات صبحي).
لا شك أن صبحي كان محقاً بشأن الادعاء الأخير مع أن السبب الذي يقدمه غير مقنع، إذ استعمل الجنرال الحجة الإسلامية الضعيفة التي تعتبر أن الولايات المتحدة أنشأت الإرهاب العالمي من خلال تبني سياسات تؤدي حتماً إلى laquo;مشاكل واسعة النطاقraquo; يمكن أن تعالجها laquo;القاعدةraquo; والجماعات المتشددة الأخرى.
ثمة سبب وجيه طبعاً يفسر كيف أدت السياسات الأمنية الأميركية إلى laquo;مشاكل واسعة النطاقraquo; في الشرق الأوسط الإسلامي (إنه الجانب الذي يغفل عنه الكثيرون). لا تحظى مساعي الولايات المتحدة لتحقيق مصالحها ونشر قيمها بتأييد واسع لأنها تصطدم بعقيدة الشريعة التقليدية، لكن الجنرال يقول إن المجاهدين منطقيون وليسوا مجرد قتلة متوحشين، بل إنهم يتصرفون وفق مبادئ عقيدة متماسكة، لكن تبقى تلك العقيدة معادية للغرب. أي سياسة أميركية تهدف إلى تحقيق أهدافنا لن تحصل على الدعم اللازم في ظل بيئة تعتبر طرد الجيش الغربي واجباً حقيقياً عبر استعمال الجهاد العنيف، كذلك، لن تحظى أي سياسة نتبناها لتعزيز أمن إسرائيل بالتأييد في بيئة يُعتبر فيها تدمير الدولة اليهودية واجباً إسلامياً.
يقدم التقرير الوارد في صحيفة laquo;تايمزraquo; معلومات مفيدة في هذا المجال، فكنت أظن خلال معظم العقد الماضي أن مشروع الديمقراطية الإسلامية أمر سخيف لأن الإيديولوجيا الإسلامية تمثّل التيار الإسلامي الطاغي في الشرق الأوسط، حتى إنني ألّفتُ كتاباً بعنوان laquo;الجهاد الكبيرraquo; (The Grand Jihad) وهو يشرح التفوق الإسلامي ويذكر أن أبرز داعمي هذه الإيديولوجيا (laquo;الإخوان المسلمونraquo; المدعومون من السعوديين) يعتبرون أنفسهم في طليعة الحركات الناشطة والحاشدة.
عدا ذكر اسم الكتاب على قائمة أكثر الكتب مبيعاً، تجاهلت صحيفة laquo;تايمزraquo; الكتاب بشكل فاضح، وفي صحف أخرى، اعتُبر الكتاب سخيفاً لأنه يعكس نزعة laquo;رهاب الإسلامraquo;hellip; تصوروا دهشتي حين اكتشفت أن نظريتي تحولت بين ليلة وضحاها من موضوع يثير السخرية إلى واقع ملموس لا يمكن إنكاره لدرجة أنه استلزم إشعاراً قضائياً.
ثم كتبت صحيفة laquo;تايمزraquo;:
قال سامر شحاتة، أستاذ في السياسة العربية في جامعة جورج تاون، إن صانعي السياسة الأميركية سيكونون في قمة السذاجة إذا فكروا أن المواقف التي يتخذها مرسي وraquo;الإخوانraquo; (منها انتقاد الولايات المتحدة والإعلان عن دعم قوي للفلسطينيين) تعكس تفكيراً هامشياً وعابراً.
أوضح الأستاذ شحاتة: laquo;في هذه المسائل، يُعتبر الإخوان أشبه بالنسخة المصرية عن ولاية كانساس، وتعكس مواقفهم حول السياسة الخارجية نمط تفكير الوسط المصري ولا تعارضهraquo;.
يا لها من مفارقة! ظننت أن ذلك التفكير ينم حصراً عن نزعة laquo;رهاب الإسلامraquo; الهستيرية.
ما يلفت النظر أيضاً هو أن الصحيفة ذكرت سبب معاداة صبحي للولايات المتحدة. تبين أنه كتب السبب منذ سبع سنوات، عندما كان طالباً في الكلية الحربية الأميركية في بنسلفانيا.
لنفكر بهذا الأمر، إذ سبق أن استنتجتُ مراراً وتكراراً عدم صوابية الافتراض القائل إن الجيش المصري يؤيد الأميركيين أو إنه حليف موثوق ضد التفوق الإسلامي، وتعكس القوات المسلحة المصرية توجّه المجتمع عموماً، كما أن الأغلبية المصرية إسلامية وفق اعتراف صحيفة laquo;تايمزraquo;، وكذلك، لطالما شمل الجيش المصري الإسلاميين في صفوفه (مثل المجاهدين العنيفين)، وكانت نزعة الجيش التاريخية تحتّم عليه أيضاً اتباع البرامج السياسية المتغيرة التي يفرضها أي دكتاتور يسيطر على البلد بدل تولي القيادة بنفسه.
نحن نسمع منذ سنتين نظريات عن عدم وجود أي سبب للقلق، إذ يمكن الرهان على هؤلاء الجنرالات الذين درّبناهم وموّلناهم، لكن يتبين الآن أن الحكومة الأميركية تدرك جيداً النزعة الإسلامية الموجودة في صفوف الجيش المصري، كما أن الضباط المصريين، الذين درسوا في معظمهم في الولايات المتحدة، كانوا يقدمون أبحاثهم المبنية على أحكام الشريعة إلى أساتذتهم العسكريين الأميركيين، وأراهن على أن صبحي حصل على علامة ممتازة!
أخيراً، لا تأتي هذه الترقيات العسكرية من فراغ، وتسير الأمور بشكل سيئ في مصر، ويجب ألا يرتكز نقل الأنباء على خطاب تفاؤلي شائب يتجاهل هذا الواقع المؤسف. تزامناً مع طرد بقايا نظام مبارك المؤيد للولايات المتحدة، حصل الرئيس مرسي على صلاحيات دكتاتورية، فأشار إلى أنه سيشرف بشكل أحادي الجانب على صياغة دستور جديد، وما من غموض كبير حول طبيعة الدستور المرتقب: خلال الحملة الانتخابية، تعهد مرسي بأن يرتكز القانون المصري على laquo;الشريعة ثم الشريعة ولا شيء غير الشريعةraquo;.
في غضون ذلك، يتعرض المعارضون والصحافيون للاعتقال والضرب (أو ربما ممارسات أسوأ بعد)، وبرزت تقارير غير مؤكدة مفادها أن أعمال التعذيب والقتل عادت إلى الواجهة، وقد خرج القادة الإرهابيون من السجون، وأصبحت سيناء معقلاً للمجاهدين، وتتعرض النساء للاعتداء في الشوارع إذا لم يرتدين الحجاب، كذلك، صدرت فتوى تمنع تناول الطعام خلال شهر رمضان، وبدأ المسيحيون يهربون بأعداد هائلة ويتم إحراق كنائسهم من بعدهم، على صعيد آخر، يحصل أعضاء laquo;حماسraquo; على ترحيب حار في مصر وكأنهم من كبار الشخصيات المقربة من النظام.
لا يمكن إخفاء الوقائع بسهولة، فالوضع سيئ ويبدو أنه سيزداد سوءاً!
التعليقات