دينا سامي الطراح
laquo;سنقوم بتحليل وفهم الأحداث التاريخية وفهم أسبابها بالطريقة التي أدت إليهاraquo;
(ناعومي أر. تيكل)
* * *
هناك قصة تاريخية لابد أن تروى إنصافا للشعب الإنكليزي الذي يحترم بلده ويتمسك بتركيبة سكانه المختلفة الأديان والأجناس والأصول المتنوعة، وتأكيدا على أنه من الثابت تاريخيا أن وعد بلفور الذي صدر عام 1917 بإنشاء دولة قومية لليهود في فلسطين كان معاديا لليهود، كما هناك الكتيب الذي كتبه الصحافي والأديب اليهودي النمساوي ثيودور هيرتزل عام 1896 الذي تلقى تعليما يطابق روح التنوير الألماني اليهودي في تلك الفترة، وهو من أسس الصهيونية السياسية، ومن ثم انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل السويسرية بين 29 و31 اغسطس 1897، وانتخب رئيسا للمنظمة الصهيونية العالمية، وأيضا هو الذي فكر في معاداة السامية، وضرورة إيجاد حل غير الانصهار في مجتمعات الدول الأخرى لتكوين دولة قومية لليهود، وقد قام أعضاء الحركة الصهيونية بتأييد هذا التوجه السياسي والسعي لأخذ الوعد الصريح من وزير الخارجية البريطاني آرثر جميس بلفور آنذاك..غير أن كل تلك الجهود الصهيونية كانت غير مخلصة ومعادية لليهود وللسامية في العالم قبل كل شيء، وذلك للأسباب التالية:
-إسرائيل هي الدولة الوحيدة من نوعها على مستوى العالم التي يتكون معظم سكانها من اليهود فقط، فالدول الإسلامية والدول المسيحية بل والعلمانية كثيرة، الأمر الذي يجعل من السهولة استهداف اليهود بوطنهم القومي، وبدلا من أن تكون إسرائيل الملاذ الآمن لليهود ستكون هي المكان الذي يجمعهم للنيل منهم بشكل مباشر وسهل.
- حينما صدر وعد بلفور واختيرت فلسطين بالذات لتكون هي المكان الملائم لإنشاء الدولة العبرية الصهيونية.. قام بعض السياسيين بتبرير هذا الوعد على أنه موقف جاء نتيجة إحساس مسيحي بالشفقة تجاه اليهود بسبب ما عانوه من اضطهاد، وبأن الوقت قد حان لأن تقوم الحضارة المسيحية بعمل شيء لليهود، ولذلك فإن بعض السياسيين يرون أن إنشاء دولة صهيونية هو أحد أعمال التعويض التاريخية، وهو ما أجده غير صحيح على الأقل في تقديري الشخصي.. لأن اختيار فلسطين التي تضم المسجد الأقصى وما له من مكانة دينية لدى المسلمين، وأيضا فلسطين تلك التي تضم الكنائس المقدسة لدى المسيحيين الذين يفدون إليها لأداء الحج.. من شأنه أن يجلب أشد أنواع العداوة لليهود، وهي العداوة ذات الدوافع الدينية، التي إن أثيرت فستكون بلا هوادة ضد اليهود في العالم كله.. وستخلد في التاريخ وعبر الزمن لأنها تتصل بالدين ولن يمحوها شيء.
- وأخيرا.. أجد أن إسرائيل كدولة قومية لليهود لم ولا تمثل تحولا عظيما ليهود العالم، ولم تضف إليهم شيئا، وفي حال تعرضها كدولة لأحداث مأساوية أو دخولها في حروب نتيجة سوء علاقاتها الإقليمية أو العالمية.. فسيتعاطف اليهود في العالم معها بسبب الديانة، وقد يضغطون على صانعي القرار السياسي في دولهم ويؤثرون فيهم.. ولكنهم لن يستطيعوا فعل شيء أكثر من ذلك لكونهم مواطني تلك الدول في المقام الأول، وليسوا مواطني دولة إسرائيل.
لتلك الأسباب أجد أنه إذا اتفقت المصالح السياسية والدينية للمسلمين والمسيحيين في العالم واحتشدوا ضد إسرائيل الصهيونية، فستختفي الدولة العبرية ولن يعثر لها على أثر.. وهو الأمر الذي سيضر باليهود، ساعتئذ يشكل تهديدا لهم ولوجودهم في العالم، فلماذا لا يتجنب اليهود كل ذلك؟
التعليقات