لندن

لا نعرف ما اذا كان تفجر مشاعر الغضب الشعبي بسبب فيلم مسيء للاسلام والمسلمين انتجته حفنة من الحاقدين، وفجر احتجاجات غاضبة في اكثر من عاصمة عربية، يخدم مهمة السيد الاخضر الابراهيمي المبعوث العربي والدولي الذي وصل الى سورية امس ام انه يجعلها اكثر صعوبة.
الامر المؤكد ان هذه الاحتجاجات حولت الاضواء عن الاوضاع المتفجرة في سورية، وجعلتها تتراجع الى مراتب اقل في نشرات اخبار التلفزة وصدر الصفحات الاولى في المحطات والصحف العربية بعد هيمنة استمرت اكثر من 18 شهرا.
السيد الابراهيمي لم يعط اي امل بالتفاؤل على صعيد نجاح مهمته هذه، بل اثارت تصريحاته الكثير من الاحباط، وهي تصريحات تراوحت بالقول انه متشائم جدا، او ان مهمته صعبة جدا بسبب تعقيدات الملف السوري.

صحيح ان الدبلوماسي الجزائري المخضرم خبير في حل الصراعات الدولية، وعمل وسيطا في اكثر من واحدة منها، مثل كيفية ترتيب اوضاع الحكم في العراق بعد احتلاله، وقبلها المساهمة في انجاز اتفاق الطائف الذي انهى الحرب الاهلية اللبنانية، ولكن الصحيح ايضا ان الازمة السورية تختلف كليا، لانها ما زالت في بداياتها اولا، والطرفان المتحاربان لم يتعبا بعد، ويحظيان بدعم قوى خارجية لا تريد لهذه الحرب ان تتوقف في الوقت الراهن على الاقل.
السيد الابراهيمي التقى امس بشخصيات من المعارضة السورية الداخلية للتعرف على آرائها قبل اللقاء مع الرئيس بشار الاسد، وهي خطوة صائبة، للتعرف على بعض اجزاء الخريطة السياسية ومعالمها البارزة، فما زال في مهمة استطلاعية استكشافية، ولا بد انه يخطط للقاءات اخرى مع المعارضة الخارجية، وبعض الدول الاقليمية الاخرى المتورطة بالازمة الى جانب هذا الطرف او ذاك مثل تركيا ومصر وايران والمملكة العربية السعودية وروسيا والصين.
مهمة المبعوث العربي والدولي قد تطول اكثر مما هو متوقع لها، وربما تريد الاطراف العربية والدولية هذا الهدف، لان العالم يمر حاليا بمرحلة انتقالية في انتظار انتخابات الرئاسة الامريكية، وحسم الملف الايراني النووي سلما او حربا او تعايشا.
التركة ثقيلة ومعقدة في الوقت نفسه، والسيد كوفي عنان الذي غامر بالنزول الى الميدان على امل حلها خرج يائسا مكتئبا بعد ان وجد نفسه يدور في دائرة مفرغة بسبب رفض الجميع التعاون معه.
خلفه السيد الابراهيمي قد يكون اسوأ حظا، لان البند الاول على جدول اعمال مهمته هو وقف العنف وحقن الدماء بالتالي، وهو بند لا يمكن التقدم مليمترا واحدا الى البنود الاخرى دون انجازه، ولكن كيف يتحقق هذا الهدف والاسلحة تتدفق على الطرفين المتصارعين وآخرها سفينة اسلحة ليبية محملة بالصواريخ المضادة للطائرات من نوع سام افرغت حمولتها في ميناء الاسكندرون التركي ووصلت بالفعل الى الجيش السوري الحر ومقاتلي حركة الاخوان المسلمين مثلما ذكرت صحيفة بريطانية امس.
وصول صواريخ سام الى المعارضة اذا تأكد يعني شل فاعلية طيران النظام جزئيا او كليا، وحرمانه من قصف تجمعات الجيش السوري الحر والفصائل الاخرى المقاتلة خاصة في المناطق الشمالية.
ولا نستبعد ان يلجأ النظام الى تزويد صواريخ مماثلة الى ميليشيات حزب العمال الكردستاني المعارض للنظام التركي.
السيد الابراهيمي ربما يكتشف ان الازمة اكثر صعوبة وتعقيدا مما تصور، وان فرص نجاحه لا تقترب من الصفر، بل ربما تحته بدرجات عديدة!