الرئيس مرسي أخطأ في تعامله مع (جهاديي) سيناء وهو ما سيولد عنفًا في المستقبل، ما جعل الجماعات الموجودة في سيناء تكّفره.


في وقت تكفّر فيه جماعات (جهادية) في سيناء الرئيس المصري محمد مرسي بحسب الشيخ ياسر سعد، أحد قادة انقلاب (الفنية العسكرية)، في حديث له نشرته صحيفة الوفد المصرية قال فيه: quot; إن شيوخ الجهاد لن يعودوا للعنف مرة أخرى quot;، مُعربًا عن قلقه من quot;عودة شبابهم للعنفquot; .
وأضاف الشيخ سعد: quot; الرئيس مرسي أخطأ في تعامله مع (جهاديي) سيناء وهو ما سيولد عنفًا في المستقبل ، ما جعل الجماعات الموجودة في سيناء تكّفرهquot; .
وبحسب حواره مع الإعلامية عزة مصطفى في برنامج (استديو البلد ) تابع الشيخ سعد: quot; الجهاديون تربوا على البذل والتضحية والفداء لوجه الله تعالى وهم من أخلص الناس وأنبلهم خلقًا، وكل خلية جهادية على أرض مصر كان منتهى أملها اغتيال مبارك الذي كان فاسدًا إداريًا ولم يكن دينيًا والثورة قامت ضده على هذا الأساس فالجماعات الإسلامية ثارت ضد مبارك لأنها رأته يخالف تطبيق الشريعة الإسلامية .
ويرى سعد أن quot;الرئيس السابق جمال عبد الناصر كان منتميًا الى الإخوان ومثلّها في ثورة 23 يوليو، إلا أن عبد الناصر عندما اختلف مع الإخوان بطش بهم ووضعهم وفي السجون ليخرجوا بفكر المرحلة الثانية للإخوان المتعلق بأفكار سيد قطب، ثم جاء صالح سرية الذي كان عضوًا بالإخوان من العراق وأتى معه بفكر تغيير نظام الحكم بالقوة المسلحة وأخذ بعض أفكار سيد قطب، وهو كان أساس خروج تنظيم (الفنية العسكرية) لقلب نظام الحكم، ورغم فشله فإنه رسخ وجود مواجهات عسكرية مع الحاكم لقلب نظام الحكمquot; .
وعلى الصعيد المصري نفسه، والوقائع بين عبد الناصر والإخوان المسلمين التي تركت بصماتها على تاريخ مصر والمنطقة ، انبرى كاتبان هما سليمان جودة وصبحي غندور ، في تحليل بعض اوجه التشابه والاختلاف بين مرسي وعبد الناصر .
سليمان جودة في الشرق الاوسط: وجهان للشبه بين مرسي وعبد الناصر
أذكر الآن، أني كنت قد كتبت في هذا المكان، قبل عدة أسابيع، عن قصة الصحافي الإنجليزي الذي كان قد التقى جمال عبد الناصر، بعد أن استقر له الحكم في القاهرة، في مطلع الخمسينات من القرن الماضي، وكان أن سأله سؤالاً محددًا، عن موقع إسرائيل على أجندته، كرئيس جديد لمصر.
لم يكن السؤال إياه، هو السؤال الوحيد في اللقاء بينهما طبعًا، وإنما جاء ضمن أسئلة أخرى، ثم تبين لاحقًا، أن هذا السؤال على وجه التحديد، كان هو المقصود من وراء اللقاء كله، وما عداه كان نوعًا من التفاصيل للتغطية على الغرض الأصلي، وكانت إجابة عبد الناصر عنه أن تل أبيب لا تشغله الآن، وأنه مشغول بتنفيذ خطة كبيرة للتنمية في بلاده.
قيل في ما بعد، وهو كلام منشور، في أكثر من موضع، إن الصحافي قد نقل جواب السؤال إلى ديفيد بن غوريون، رئيس وزراء إسرائيل وقتها، وأن الأخير عندما سمع بما جاء على لسان عبد الناصر، قال تلقائيًا: laquo;هذا أسوأ خبر سمعته من مصر!raquo;. ولم يكن الخبر الأسوأ بالنسبة له، أن الرئيس المصري، غير منشغل بإسرائيل، وإنما كان الخبر الذي أزعج رئيس الوزراء الإسرائيلي للغاية أن laquo;ناصرraquo; مشغول بالتنمية ليحقق مستوى من المعيشة أفضل، لأبناء بلده، ولا بد أن اتجاهًا كهذا، حين يسود في مصر، ويسيطر على عقل رئيسها، فإنه قطعًا لا يسعد القائمين على الحكم في الدولة العبرية!
تذكرت القصة في إجمالها، عندما طالعت تفاصيل الحوار الذي أجراه صحافيان من صحيفة laquo;نيويورك تايمزraquo; الأميركية مع الرئيس محمد مرسي، قبيل مغادرته إلى نيويورك، الأحد الماضي، ليشارك في الاجتماعات السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة، ويُلقي كلمة مصر فيها.
هناك وجهان للشبه، بين ما جرى مع عبد الناصر، قبل نصف قرن تقريبًا، وما جرى مع مرسي.. أما وجه الشبه الأول، فهو أن الحوار، في الحالتين، جرى بعدأشهر من وجود الرئيس الجديد على مقعده، وأما الثاني، فهو أن هناك تشابهًا، من نوع ما، بين كلام قيل هناك، على لسان الرئيس عبد الناصر، وكلام قيل هنا، على لسان الرئيس مرسي، مع اختلاف السؤال في المرتين.
ذلك أن عبد الناصر، إذا كان قد قال، في حينه، إن ما يهمه، هو أن يحقق نموًا، ثم تنمية من بعده، للبلد، فإن مرسي، بدوره، قد قال إن مصر لا تعادي الغرب، ولن تعاديه، ولكنها في الوقت نفسه، لن تكون تابعة له.
ومفهوم، أن عدم التبعية الذي يقصده الرئيس مرسي، ويتمناه، لن يتحقق، إلا إذا بدأ هو فانشغل لسنوات بما كان عبد الناصر، قد قرر، ابتداء، أن يعكف عليه، ويشغل نفسه به، على المستوى الاقتصادي.
غير أن الأهم هنا، هو هذا السؤال التالي: هل يستطيع مرسي أن يحقق الاستقلالية التي يريدها، لبلده، بحيث يكون البلد قادرًا بالفعل، لا بالقول وحده، على أن يقيم علاقة من عدم التبعية، بينه وبين الغرب عمومًا؟!
وبمعنى آخر: هل يستطيع الرئيس مرسي، أن يقفز فوق العقبات الحقيقية التي يمكن أن تقف في طريقه، وهو يسعى إلى تحقيق ما يعنيه في حواره؟!
نعرف أن عبد الناصر، كان قد طلب من البنك الدولي، أن يمول بناء السد العالي، ولكن لأن اتجاهه ذاك، نحو التنمية، مع أشياء أخرى، من جانبه، لم تكن تعجب الولايات المتحدة، فإنها أوعزت من ناحيتها، إلى البنك، بأن يمتنع عن توفير التمويل اللازم، فكان أن لجأ الرجل إلى تأميم قناة السويس، لعله يستطيع من عائدها، أن يوفر ما امتنع البنك الدولي عن توفيره.
نحن، إذن، أمام رئيس كان يعني ما يقول، ولذلك، فإنه عندما تبين له، أن تمويل البنك للسد العالي، يمكن أن يعترض طريق استقلالية قراره، وعدم تبعية بلاده، قفز فوق هذا العائق، وقرر أن يتجه إلى تحقيق هدفه، من مورد آخر على نحو مباشر!
قد نختلف اليوم، حول سلوك عبد الناصر، وحول كلامه، ولكن ما يعنيني في هذا المقام، أن أؤكد أن هذه الحالة من عدم التبعية التي أشار إليها الرئيس مرسي، لن تُتاح بالكلام، أو بمجرد الرغبة فيها، وإنما تُتاح بالقدرة عليها، قبل الرغبة وبعدها!
وليس سرًا، أن مصر تفاوض صندوق النقد الدولي، هذه الأيام، على اقتراض 4.8 مليارات دولار، وإذا عرفنا أن حزب الحرية والعدالة الذي يمثل الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، التي ينتمي إليها الرئيس، كان - أقصد الحزب - قد عارض بشدة، هذا القرض، قبل انتخاب الرئيس، ثم عاد، في الوقت الراهن، ليؤيد الحصول عليه، ويتحمس له.. إذا عرفنا ذلك، أدركنا بالتالي، على الفور، إلى أي حد يمثل القرض حالة من الضرورة بالنسبة لحكومة الدكتور مرسي، وأدركنا أيضًا مدى الصعوبة في أن يتخلى الرئيس، أو حكومته، عن القرض.
إن الحكومة التي تطلب قرضًا بهذا الرقم، ثم تلح في الحصول عليه، لا بد أن تتمهل، قبل أن تفكر في عدم التبعية، فضلاً عن أن تنتقل من مجرد التفكير، إلى التصريح بذلك علنًا!
وعلى جانب آخر، فإن أحوال الاقتصاد المصري، في أيامنا الحالية، ليست خافية على أحد، من حيث صعوبتها البالغة، وشدة ظروفها، ولو كان هذا الاقتصاد، في حالته الطبيعية، أو حتى شبه الطبيعية، ما كانت الحكومة قد لجأت إلى طلب قرض بهذا الحجم، وما كان القرض قد بدأ في صيف العام الماضي، من عند 3.2 مليارات دولار ليصل في صيف هذا العام إلى 4.8 مليارات، وما كان الاحتياطي الأجنبي في البنك المركزي، قد تراجع إلى ما يقرب من نصف ما كان عليه عند قيام ثورة يناير 2011، وما كان العجز في ميزانية الدولة قد وصل في موازنة العام الحالي إلى 170 مليار جنيه، وما كان.. وما كان!
غاية ما أريد أن أقوله، إن كلام الدكتور مرسي، عن عدم تبعية مصر للغرب، كلام جميل، بل وممكن، بشرط أن يكون اقتصاده سوف يسعفه في ذلك، وبشرط أن يعكف على خطة من النوع الذي كان عبد الناصر قد عكف عليها اقتصاديًا، وبشرط أن يكون، وهو يتكلم، قادرًا، على أن يستغني عن قرض صندوق النقد، وأن يحصل عليه، إذا تم، بشروط مصر، لا بشروط الصندوق، وبما أن الشروط في مثل هذه الحالات، يضعها المقرض، لا المقترض، فإننا في حاجة إلى أن نراجع مفهوم عدم التبعية، ومتى يمكن أن ينطوي على مضمون، ثم متى يكون كلامًا مفرغًا من المعنى؟!
صبحي غندور في الرأي الكويتية: ذكرى رحيل مؤسس الجمهورية الأولى في مصر
تتعدّد التحليلات بشأن ما يحدث الآن في مصر، ويختلف الكثير من المصريين والعرب حول توصيف طبيعة نظام الحكم الحالي فيها، إذ وصف البعض هذا النظام بأنّه laquo;الجمهورية الثانيةraquo;، بعد laquo;جمهورية العسكريينraquo; التي بدأت مع laquo;ثورة 23 يوليوraquo; في العام 1952. وخطورة هذا الوصف أنّه يضع حقبة جمال عبد الناصر في سلّةٍ واحدة مع حقبتيْ أنور السادات وحسني مبارك، رغم إدراك هذا البعض لخطأ هذا التوصيف، ولما فيه من ازدراء شديد للحقبة الناصرية التي تناقضت سياساتها الداخلية والخارجية مع كلّ ما جاء بعدها.
ولقد حاول هذا البعض laquo;التنظيرraquo; لثورة 25 يناير بأنّها ثورةٌ أيضاً على ثورة 23 يوليو، وبأنّها ثورة من أجل الديموقراطية فقط، وضدّ استبداد النظام السابق وفساده، وليست ثورةً أيضاً على سياسة التبعيّة والعلاقات مع إسرائيل، والتي قزّمت دور مصر الطليعي في عموم المنطقة، وأضعفت مصر نفسها بعد أن قيّدتها منذ نهاية عقد سبعينات القرن الماضي بأغلال المعاهدات.
ربما يصّح القول إنّ مصر تعيش الآن حقبة laquo;الجمهورية الثالثةraquo;، والتي لم تتّضح بعد ملامح رؤيتها الاستراتيجية لكيفية بناء مصر الداخل اقتصادياً واجتماعياً ودستورياً، ولا أيضاً التغييرات التي ستحدثها في السياسة الخارجية.
فمصر تشهد الآن ولادة هذه laquo;الجمهورية الثالثةraquo; فيها، بعد جمهورية laquo;ثورة 23 يوليوraquo; التي قادها جمال عبد الناصر، ثمّ جمهورية laquo;الارتداد على ثورة يوليوraquo; التي حصلت في فترتيْ السادات/مبارك. ومن غير المعروف بعد كيف ستكون سمات وسياسات هذه laquo;الجمهورية الثالثةraquo; الوليدة حديثاً، أي ما بعد ثورة 25 يناير.
هنا أهمّية أن يحدث الآن التكامل المطلوب بين ما قامت من أجله laquo;ثورة يوليوraquo; وما كانت عليه من نهجٍ تحرّريٍّ عربي، وبين ما هي عليه laquo;ثورة ينايرraquo; من أهداف سياسية واجتماعية. مصر بحاجة إلى هذا التكامل بين الثورتين، والأمّة العربية جمعاء بحاجةٍ إليه أيضاً.
وها هي المنطقة الآن تعيش مرحلةً جديدة من الاستقطابات الدولية/الإقليمية، في ظلّ غيابٍ متواصل لمشروع عربي مشترك، ولإرادة عربية مشتركة، وهو أمر لن يحدث قبل ظهور نتائج التحوّل السياسي الذي يجري الآن في مصر، لمعرفة كيف سيكون عليه الدور المصري في عموم المنطقة، وما مدى تأثيراته المرتقبة على المشاريع الدولية والإقليمية.
وقد يعتبر البعض أنّ الحديث الآن عن ناصر هو مجرّد حنين عاطفي لمرحلةٍ ولّت ولن تعود، بينما يُغرق هذا البعض الأمَّة في صراعاتٍ وخلافاتٍ عمرها أكثر من 14 قرناً، ونتائج تلك الصراعات لن تكون إعادة نهضة الأمَّة العربية بل تقسيمها إلى دويلات طائفية ومذهبية تتناسب مع الإصرار الإسرائيلي على تحصيل اعتراف فلسطيني وعربي بالهُويّة اليهودية لدولة إسرائيل، فتكون laquo;الدولة اليهوديةraquo; نموذجاً لدويلاتٍ دينية ومذهبية منشودة في المنطقة كلّها!.
فهو laquo;زمنٌ إسرائيليraquo; نعيشه منذ رحيل ناصر المفاجئ في 28 سبتمبر 1970، وبعد الانقلاب الذي حدث على laquo;زمن القومية العربيةraquo; حين كانت مصر في خمسينات وستينات القرن الماضي طليعته. فاليوم تشهد مصر وكل بلاد العرب laquo;حوادثraquo; وlaquo;أحاديثraquo; طائفية ومذهبية وإثنية لتفتيت الأوطان نفسها، لا الهويّة العربية وحدها.
هو laquo;زمنٌ إسرائيليraquo; الآن على مستوى العالم أيضاً. فعصر laquo;كتلة عدم الانحيازraquo; الذي كانت مصر رائدته، تحّول إلى عصر laquo;صراع الشرق الإسلامي مع الغرب المسيحيraquo;، بينما تهمّش laquo;الصراع العربي/الصهيونيraquo;، ومكاسب إسرائيل في هاتين الحالتين هي وحدها التي تتحقق.
لذلك، فإنّ الكتابة عن ناصر ليست ابتعاداً عن الحاضر أو تجاهلاً للمستقبل أو حنيناً لماضٍ يفتقده عشرات الملايين من العرب، بل هي دعوةٌ للمقارنة بين نهجٍ يسود الآن في التعامل مع الأزمات، مقابل نهج laquo;ناصريraquo; واجه أزماتٍ مشابهة لصراعاتٍ لم تزل مستمرّة لأكثر من نصف قرن.
لقد عاشت المنطقة العربية في بداية الخمسينات وحتى منتصف السبعينات من القرن العشرين رغم الكثير من التعثّر والانتكاس- صحوةً قومية عربية لم تعرف لها مثيلاً في تاريخها الحديث. فقبل الخمسينات، وامتداداً في القرون العجاف تحت الحكم التركي ثمّ سيطرة دول الغرب على العرب، لم يكن للعرب حولٌ ولا قوّة تُذكر.
منتصف القرن العشرين جاء حاملاً معه متغيّراتٍ كثيرة في المنطقة العربية، وفي العالم ككلّ. فالخمسينات التي كانت موقعاً زمنياَ وسطياً للقرن العشرين، كانت أيضاً من خلال قيام laquo;ثورة 23 يوليوraquo; عام 1952 بقيادة جمال عبد الناصر، بدء انطلاق حركةٍ قومية عربية وسطية laquo;لا شرقية ولا غربيةraquo;، ترفض الانحياز إلى أحد قطبيْ الصراع في العالم آنذاك، وترفض الواقع الإقليمي المجزّئ للعرب كما ترفض الطروحات القومية الأوروبية العنصرية والفاشية أو أسلوب الضمّ العسكري، وتنطلق من أرض مصر التي هي موقع جغرافيّ وسط يربط أفريقيا العربية بآسيا العربية. وقد استطاع جمال عبد الناصر من خلال موقع مصر وثقلها القيادي، أن يحقّق للمرّة الأولى صحوةً قوميةً عربية تؤكّد ضرورة التحرّر الوطني والاستقلال القومي والانتماء إلى أمَّةٍ عربيةٍ واحدة، وتدعو إلى وحدة وطنية شعبية في كلّ بلدٍ عربي، وإلى استخدام الوسائل السلمية في التغيير وفي الدعوة للوحدة العربية، وإلى نهضةٍ عربيةٍ شاملة في الأطر كلّها، السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
طبعاً كانت سمة تلك المرحلة هي خوض laquo;معارك التحرّر الوطني من الاحتلال والاستعمارraquo;، وهذه المعارك لم تسمح كثيراً بـlaquo;الحديث عن الديموقراطيةraquo; خاصّةً وأنَّ العالم آنذاك كان قائماً على تجربتين: التجربة الرأسمالية في الغرب، التي تقوم على تعدّد الأحزاب والحريات العامَّة مع النظام الاقتصادي الحر، والتجربة laquo;النموذجيةraquo; الثانية والسائدة حينها كانت التجربة الشيوعية (السوفياتية أو الصينية)، والتي كانت ترفض أساساً وجود حزب آخر غير الحزب الحاكم ولا تقبل بأيّ نوعٍ من الحرّيات العامة في المجتمع، وتقوم على الاقتصاد الاشتراكي الموجَّه والمُسيطَر عليه من قبل الدولة.
لذلك كان من الطبيعي في منطقةٍ عربية تريد التحرّر من الغرب الرأسمالي (كحال معظم دول العالم الثالث آنذاك) أن تطلب المساندة من laquo;الشرق الشيوعيraquo; وأن تتأثّر بمفاهيمه للحكم سياسياً واقتصادياً.
وصحيحٌ أنّ laquo;مرحلة ناصرraquo; انتهت منذ أربعة عقود، لكن دروسها للحاضر والمستقبل مازالت قائمة، فالهوية العربية هي حالة انتماء لكل العرب ولم يخترعها جمال عبد الناصر، وهي ليست مضموناً فكرياً وسياسياً قائماً بذاته ليختلف بشأنه العرب، بل هي هوية ثقافية مشتركة لكلّ سكّان الأمّة العربية بغضّ النظر عن طوائفهم ومذاهبهم وأصولهم الإثنية. ثمّ أنّ النهضة العربية الشاملة تحتاج إلى دورٍ مصريٍّ فاعل وإلى تكامل بين وضوح الهويّة العربية وبين البناء الديموقراطي السليم وبين الحرص على أولوية التحرّر الوطني واستقلالية القرار السياسي.
رحم الله جمال عبد الناصر الذي أدرك أنَّ قوّة مصر هي في عروبتها، وأنَّ أمن مصر لا ينفصل عن أمن مشرق الأمَّة العربية ومغربها ووادي نيلها الممتد في العمق الأفريقي. رحم الله تعالى جمال عبد الناصر، الذي حرص كردٍّ على هزيمة عام 1967 على أن يوقف أيّ صراعات عربية/عربية وعلى أن يبني تضامناً عربياً فعّالاً، فصالح كلَّ من عاداه من العرب، ورفع شعار أولويّة المعركة مع العدوِّ الصهيونيّ، حيث قامت حصيلة ذلك جبهةٌ عربية واسعة جمعت laquo;دول النفطraquo; مع laquo;دول المدفعraquo; في إطارٍ تضامنيٍّ عام، ساعد على إعادة بناء القوات المسلحة المصرية وخوضها لمعارك حرب الاستنزاف على الجبهة المصرية لمدّة عامين، ثمّ كان هذا التضامن ذاته وراء القرار في حرب أكتوبر عام 1973، الذي جمع بين استخدام السلاح والاقتصاد والسياسة في المواجهة مع إسرائيل ومن يدعمها.
مصر الناصرية كانت لا تستنزفها صراعات طائفية أو ايديولوجية، ولا تلهيها معارك هامشية عن المعركة الرئيسة مع العدوّ الصهيوني. وقد ربط القدر بين يوم انفصال سوري عن مصر في 28 سبتمبر عام 1961 وبين أوّل أزمة صحية تعرّض لها جمال عبد الناصر، ثمّ ربط القدر أيضاً بين وفاته في 28 سبتمبر عام 1970 وبين مناسبة ذكرى الانفصال آنذاك.
ولعلّ خير شهادة لعبد الناصر أنّ أول جرح له كان في فلسطين ثم مات من أجلها حيث دفع حياته ثمناً لوقف نزيف الدم العربي الذي كان يحدث لأشهر في الأردن، ومن أجل الحفاظ على التضامن العربي وعلى القضية الفلسطينية.