أمينة أبو شهاب

هل كان أمراً عجيباً حقاً أن أعطى وجود الجماعة الإخوانية في قمة هرم السلطة في مصر تلك النتيجة التقسيمية السريعة للشعب المصري والتي سمعنا على ألسنة كثير من المصريين في الفترة الأخيرة أنه لا عهد لهم بها على مدى تاريخهم الطويل؟

التكوين والرؤية والوظيفة الحزبية للجماعة الإخوانية هي مولدة للتقسيم السياسي والاجتماعي بطبيعتها، ذلك أنها تنطلق من العزل والفرز وتضع لنفسها موقعاً وتعريفاً مختلفاً ضمن المجتمع الإسلامي الذي تتواجد فيه وتمارس نشاطها ضمنه راسمة لنفسها خطاً فاصلاً عن الغير الذين يتعرضون ldquo;للتقييمrdquo; والتصنيف بناء على المفاهيم الإخوانية .

وإذا كانت هذه الطبيعة التقسيمية التي تمثل شرط وجود سياسي هو خلاصة يعرفها منافسوهم في الأنشطة الطلابية والنقابية والعمل السياسي وهم في طور المعارضة وخارج السلطة، فإنهم في السلطة قد مارسوا الدور بشكل طبيعي وتلقائي كما تحكي معركة الدستور في مصر .

الإخوان وحدهم هم المهيأون تنظيمياً وفكرياً ونفسياً لشق المجتمع من نصفه بشكل عمودي إلى نصفين أو معسكرين متناوئين ومتحاربين حيث يقعان في موقعين مختلفين بالنسبة للدستور . وليت أن هذا الاستقطاب الشديد وانقسام الشعب فريقين حول الدستور كان علامة على الحيوية الفكرية والسياسية والالتفاف حول مضامين وطروحات تشكل برامج عمل وتغييراً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً مستقبلياً . ولكن الحقيقة هي عكس هذا، حيث الانقسام المجتمعي ليس ذا مضمون موضوعي، وإنما هو رد فعل طبيعي على الاستراتيجية السياسية التقسيمية للإخوان والمتمثلة بوضوح في مقولة الرئيس ldquo;أهلي وعشيرتيrdquo; وهي التي تستبعد من لا يقعون ضمن التعريف حسب المفاهيم الإخوانية .

لا يقوم الانقسام العمودي حول الدستور حول إسلامية من نفيها، فالدستور الذي صوت عليه المصريون لا يمثل دستوراً إسلامياً أو مشروعاً ناظماً ومؤسساً لدولة إسلامية . إنه وفي نظر العديد من العلماء والإسلاميين غير المتحزبين يقف قاصراً كثيراً عن أن يحمل صفة حلم الإسلاميين بمشروع دولتهم، ومع ذلك فقد تمت تجزئة المجتمع المصري على أساسه وعلى صيغة تضليلية تقول إن من يقف ضده هم أولئك الذين يقفون ضد الإسلام وضد تطبيق مبادئه وشريعته .

الانقسام الشعبي المصري على جبهتي الإسلامي والمدني أو العلماني، كما تعبّر عنه وسائل الإعلام الغربية، ليس هو على شاكلة الانقسام التاريخي في المجتمعات الغربية بين الكنيسة والعلمانيين . الذين رفضوا الدستور المصري بصيغته الإخوانية كانوا في غالبيتهم لا يقفون ضد إسلاميته وضد حكم الشريعة بقدر ما يعبرون عن رفضهم للطريقة المتعجلة والمرتبكة في إقراره . كما كانوا يعترضون على بنود ومواد ترسخ لدوام حكم الإخوان لمصر وهيمنتهم على مؤسسات الدولة . وهنالك أيضاً المخاوف العامة والقلق مما يطبخه ويدبره الإخوان لمصر مستقبلاً، حيث لا تعود هي البلد الذي يتنفس فيه الناس ويعيشون حياتهم العادية . الخوف من الدستور الإخواني كان خوفاً من تقليص حقوق للمرأة وللكتاب والإعلاميين ولأهل القانون والقضاء وفئات في المجتمع يساورها التوجس من مستقبل مجهول المعالم .

ومع ذلك ومع تلك المخاوف والمواقف الموضوعية سياسياً تم تدشين الانقسام المجتمعي على أساس من الإسلامي وما يضاده في التوجه، وهو في الحقيقة ليس كذلك لتدين المصري العادي والتزامه بالنظرة الدينية وانعكاساتها في السلوك الحياتي .

لقد كانت الحكمة السياسية تقتضي ومعها المصلحة الوطنية وحتى المصلحة الإخوانية أن يخلق الإخوان توافقاً شعبياً عاماً حول الدستور لا انقساماً نصفياً حوله، خاصة أن هذا الدستور المهلهل والهجين في وصف إسلاميين منصفين ليس هو الغاية الإسلامية، ويقف بمسافة بعيدة منفصلاً عنها . لقد كانت التجزئة والتفرقة هي الأقرب والأنسب لطبيعتهم الحزبية، ولذلك فقد كانت هي خيارهم السياسي الذي مضوا فيه إلى آخره . أما محاولات الرئيس مرسي وجماعة الإخوان لقاء المعارضة وإدارة حوار معها وذلك بعد التصويت على الدستور فهي جزء من حملة تحسين الصورة العامة في الداخل وإرضاء الغرب بالنسبة للخارج والسعي إلى جني ثمار الانطياع الخادع بأن هنالك عملاً يقام به للم الشمل وإعادة الوحدة واللحمة للمجتمع .

انقسام المجتمع فريقين متضادين بسبب الاستراتيجية السياسية للإخوان وسعيهم إلى الهيمنة وإقامة دولة ديكتاتورية له نتائج مريرة وباهظة الثمن على البلاد . ولقد رأينا في المعسكر المسمى علمانياً أو مدنياً رؤوساً تستدعي الغرب للتدخل في الشأن المصري وتتخذه حكماً ومرجعاً في أمر السلوك السياسي الإخواني وتعسفه مع المختلفين معه . وهو الأمر نفسه الذي يقوم به الإخوان حيث للغرب ولأمريكا بالذات قوة تأثير في القرار الإخواني .

الكتلة التصويتية المناهضة للإخوان والخائفة على مصيرها منهم هي كتلة كبرى ولا يستهان بها أبداً، إنها كتلة من خلق الإخوان أنفسهم ومن صناعتهم السياسية، حيث لم يكن لها وجود قبل سنتين مضتا وسياستهم المتعسفة والمرتبكة والمستبعدة لأجزاء من الشعب هي التي مكنتها من الحضور السياسي .

وهنالك خوف مستقبلي قائم أن تتحول هذه الكتلة في اعتراضها على الإخوان، إلى ما يشبه تغيرات الغرب الاجتماعية في مقت المؤسسات التي تربط نفسها بالدين وتضطهد الأفراد تحت عباءته وضمن مقولاته مع مناقضتها لجوهره الحقيقي ورسالته . حينها يهتز موقع الدين حقيقة في المجتمع ويدخل في صراعات ثنائية الدين والعلمانية وهو بغنى عنها . إنه صراع مرشح للافتعال مع أنه ليس إفرازاً حقيقياً للمجتمعات الإسلامية . وسياسة الإخوان هي المسؤولة .