عماد المهدى


في غضون أيام مقبلةrlm;,rlm; تحيي مصر الذكري الثالثة لثورة الخامس والعشرين من ينايرrlm;,rlm;

التي أطلقت العنان لطموحات عديدة وتطلعات كثيرة حول شعاراتها الثلاثة عدالة, حرية, كرامة إنسانية.
لكن في خضم استكمال بناء الدولة العصرية التي يحلم بها كل مواطن مصري, تأتي الدعوة التي أطلقها صديقي الحبيب عصام العريان عضو مجلس الشوري وزعيم الأغلبية البرلمانية, لعودة اليهود إلي مصر, ليثير حزمة من التساؤلات تسجلها ملاحظات ثلاث علي النحو التالي: أولا- يظل توقيت إطلاق هذه الدعوة يثير الكثير من الغرابة التي لا تجد لها إجابات واضحة حتي في معرض تبرير قائلها فيما بعد, فلم يعرج علي اختيار مثل هذا التوقيت لإطلاق مثل هذه الدعوة, بل مما يزيد غرابتها أنها جاءت عقب حصول فلسطين علي قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة باعتبارها دولة غير عضو في الأمم المتحدة, كذلك جاءت الدعوة بعد عام علي المشروع الذي أطلقته وزارة الخارجية الإسرائيلية في العام الماضي يطالب بتعويض اليهود القادمين من الدول العربية بما فيهم يهود مصر, وهو ما يعكس مدي التناقض في الدعوة بما تحمله من دلالة تقلب موازين المعادلة التي تعترف بحق العودة للفلسطينيين والتعويضات عما عانوه من اضطهاد وقتل وتشريد, وبين حق اليهود الذي هاجروا إلي اسرائيل في إطار الدعوات التي أطلقها الكيان الصهيوني ومازال لجمع ما يسميه يهود الشتات, وهو ما يثير بدوره تساؤلا مهما تكشف الإجابة عنه أن صاحب الدعوة يحتاج إلي مراجعة التاريخ, فهل صحيح أنه قام الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر باجلاء اليهود وطردهم من مصر؟ أم أنهم هاجروا بكامل إرادتهم عقب حرب1948 والعدوان الثلاثي عام1956 وكذلك عقب العدوان الاسرائيلي علي مصر عام1967 ؟ وتأتي الاجابة صريحة أنه لا يوجد دليل علي قيام الرئيس المصري بطرد اليهود من مصر, بل تؤكد الوثائق والتصريحات الصادرة عن قادة اسرائيل آنذاك أن هجرة اليهود إلي اسرائيل كانت بإرادتهم المنفردة دون ضغوط او اضطهاد, إما سعيا الي بناء دولة الحلم الاسرائيلي. وإما خوفا من ردود فعل الشعوب العربية علي السياسات الصهيونية العدوانية التي مارسها الكيان الصهيوني ضد العرب بصفة عامة والفلسطينيين بصفة خاصة.
ثانيا- إذا كان صحيحا أن الرئاسة المصرية أعلنت علي لسان المتحدث الرسمي بأن: هذه التصريحات آراء شخصية خاصة به, وأكد ذلك صاحب الدعوة بقوله: إن تصريحاته عن عودة اليهود الذين هاجروا من مصر مرة أخري كانت تعبر عن وجهة نظر شخصية وأنها لا تعكس بالضرورة رؤية الحزب الرسمية, إلا أنه من الصحيح أيضا أن هذا الرد من جانب الدكتور العريان يحمل لغطا كبيرا, فكيف يمكن أن نميز بين آرائه الشخصية ومواقفه السياسية من جانب, وموقف الحزب الذي يمثله أو ينتمي اليه خاصة وأنه يشغل منصبا رفيعا في الحزب من جانب آخر؟ فمن الصعوبة بمكان التمييز بين الرأي الشخصي للمسئول والرأي المعبر عن المنصب الذي يشغله. ثالثا- بصرف النظر عن التداعيات السلبية لمثل هذه الدعوة والتي عبر عنها العديد من المتخصصين والباحثين, إلا أن رد فعل اليهود المصريين الذين هاجروا إلي إسرائيل يظل موضع اهتمام; كونهم من وجهت إليهم الدعوة, وهو ما يجعلنا نتلقف ما يصدر عنهم من ردود فعل تجلي حقائق قد يجهلها الجميع, فقد عبر رئيس جمعية يهود مصر في إسرائيل عن موقفهم بقوله:قبل دراسة اقتراحك في العودة إلي مصر يسعدني أن أتلقي أجوبة لأسئلة تساعدني في اتخاذ قرار عقلاني للعودة والعيش في مصر, إذ لا يمكن لنا العودة من دون ضمان بيت وعمل ومصدر رزق وحياة حرة كريمة وديمقراطية وعدم الاكتفاء بالعيش حسب الشريعة التي لا تشجع علي قبول اقتراحك والعودة إلي مصر, مطالبا بما وصفه بضمانات للعودة تتعلق بالخدمات الاجتماعية والحقوق السياسية والمكانة الاقتصادية.. الخ. وهو ما يجعلنا نتساءل بدورنا عن المردود الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والأمني الذي يمكن أن يحصده الشعب المصري في حالة الاستجابة الي مثل هذه الدعوة؟ فهل مصر في حاجة إلي مزيد من التشرذم والتفتت الديني والمذهبي اليوم كي نضيف إليها فئات دينية جديدة؟ صحيح إننا نؤمن بحق اليهود في العيش داخل المجتمعات الإسلامية والعربية( اذا كانوا مواطنين أصليين لهذه المجتمعات ولم يشاركوا في حرب ضدها) كما كان علي عهد الرسول الكريم في دولة المدينة, إلا أنه من الصحيح أن مثل هذه الدعوة تفتح الباب إلي سيل من التداعيات والانعكاسات السلبية التي لا تقدر علي تحملها مصر الآن وهي في مرحلة التعافي من سقم طال بها. جملة القول, ليس من المنطقي أو المعقول قبول مثل هذه الدعوات التي تروج لمزيد من الانقسامات والانشقاقات في لحمة الوطن, بغض النظر عن أهداف أصحابها ومراميهم, فنحن لا نشكك في وطنية أحد ولا نرمي أحدا ادعاء وزورا, ومن هنا أجد نفسي أمد يدي بكل الحب والتقدير إلي النائب الموقر عصام العريان لنبحث عن وسيلة لإنقاذ القدس الشريف ثالث الحرمين الشريفين وأري أن الحكمة تقتضي مواءمة المقال للمقام زمنا ومكانا. فما تعيشه مصر الآن من لحظة خطيرة تفرض علي الجميع إبراز المشتركات وإقصاء المختلف فيه لحين بناء مصر الجديدة.