عبدالغفار شكر

دفعت الشعوب العربية الثمن غاليا لتجاهل حكامها معالجة التنوع العرقي والديني بشكل صحيحrlm;,rlm; وفي الوقت المناسبrlm;.rlm;

وبرغم ان ذلك التنوع يمكن ان يكون مصدر ثراء وقوة لمعظم الأقطار العربية إذا احسن الحكام التعامل معه والاعتراف به فإن نظم الحكم كانت من الغباء بحيث تجاهلت حقائق الواقع, وانكرت حقوق اقسام مهمة من شعوبها كما حدث مع الأكراد في العراق والمسيحيين في جنوب السودان والامازيج في المغرب والطوارق في ليبيا, وكما يحدث حاليا مع البدون في الكويت, ومن الناحية الدينية عاني الشيعة من اضطهاد الحكام في العراق, وللأقباط في مصر مشاكل عديدة, وهو نفس الحال بالنسبة للشيعة في السعودية. ويؤكد تاريخ الوطن العربي في هذه الاقطار ان هذا التنوع العرقي والديني كانت له اسبابه التاريخية, وكان لفترة طويلة من عمر الشعوب العربية ظاهرة صحية حيث تعايشت هذه الشعوب مع التنوع العرقي والديني في إطار من التعاون والتكامل. وإذا أخذنا مصر مثلا لذلك فإننا نلاحظ ان الاقباط كانوا يشغلون مناصب مهمة في الدولة علي امتداد العصور الوسطي واستمر بعضها في العصر الحديث, وكانت هناك تخصصات معينة برعوا فيها, وفي بعض الفترات من تاريخ مصر برع الاقباط في الاعمال المالية, واتجهوا في مصر الحديثة إلي مهن الطب والصيدلة والمحاسبة, ولم تكن هناك اي حساسية في التعامل معهم من جانب المسلمين, بل إن كثيرا من الاسر المسلمة كان طبيبها وموضع سرها قبطيا, ولم يكن هناك اي تمييز في التعامل معهم والتعامل مع غيرهم مثل اصحاب محال الذهب, علي عكس ما حذث بعد ذلك عندما شهدت مصر ظاهرة التعصب الديني بعد هجرة ملايين المصريين إلي دول الخليج وعادوا منها محملين بأفكار المذهب الوهابي, ولم يكن حكام البلاد بالحكمة والخبرة التي تؤهلهم للتنبة مبكرا إلي خطورة تصاعد هذه الظاهرة وما خلفته من آثار سلبية علي العلاقة بين عنصري الامة كما كان يحلو للجميع ان يصف التنوع الديني في مصر, وساهم الحكام في تأجيج الظاهرة عندما اهملوا حق الأقباط في تولي مناصب عليا يستحقونها وتجديد الكنائس في الوقت المناسب.
شهد معظم الاقطار العربية التي أشرنا إلي وجود هذا التنوع الديني والعرقي بها تطورا مهما في العصر الحديث مع تطور وسائل الاتصال والمواصلات وتبلور مواثيق دولية لحقوق الإنسان, وتوافر المعلومات عن النظم الديمقراطية في كثير من بلدان العالم حيث تأسست هذه النظم علي مبدأ المواطنة الذي يساوي بين سكان البلد الواحد في الحقوق والواجبات بصرف النظر عن اصلهم العرقي او ديانتهم. واتجهت قطاعات من السكان في كل بلد إلي المطالبة بالمساواة وإلي بناء الدولة علي اساس المواطنة, ووصل الامر في بعض الاقطار إلي المطالبة بالانفصال او الحكم الذاتي كالأكراد, وكذلك المطالبة بتدريس لغتهم الموروثة من اجيال سابقة, والحفاظ علي ثقافتهم وتدريسها بمراحل التعليم المختلفه. وتحول الامر في بعض الاحيان إلي صراع مسلح مع نظم الحكم من اجل تحقيق هذه المطالب, ولكن نظم الحكم المختلفه لم تكن بالقدر الكافي من الحساسية لهذه المشاكل, وما يمكن ان يترتب عن عدم حلها من نتائج, فتأخرت كثيرا في التجاوب معها, ومعالجتها بشكل صحيح, مما أدي إلي مزيد من الصراع وصل إلي حمل السلاح, كما حدث في جنوب السودان وفي شمال العراق, ودفع الشعبان العراقي والسوداني الثمن غاليا, فانفصل جنوب السودان, في دولة مستقلة ويكاد اقليم كردستان يكون بالفعل دولة مستقلة, وربما تشهد المغرب نفس الظاهرة ما لم تواصل حكومته سياستها في معالجة مطالب الامازيج بالحكمة الواجبة, والاعتراف بحقهم في نوع من الحكم المحلي.
ويمكن القول عموما ان الحل الحقيقي لمشاكل الوطن العربي في معظم اقطاره مع ظاهرة التنوع الديني والعرقي هو الديموقراطية, فالديمقراطية تقوم اساسا علي الاعتراف بالتعددية سواء كانت طبقية او دينية او عرقية, وتوفر بهذا الاعتراف الاساس الدستوري والقانوني لمعاملة المواطنين علي قدم المساواة والاعتراف بحق الجميع في إقامة تنظيماتهم السياسية المعبرة عنهم, وبما يترتب علي ذلك من المشاركة في عملية تداول السلطة من خلال إنتخابات دورية حرة ونزيهة, وحق التمتع بثقافتهم الخاصة وتدريس لغتهم كلغة ثانية في كل مراحل التعليم. إن ادماج المواطنين من مختلف الاعراق والاديان في العملية السياسيه الديموقراطية هي نقطة انطلاق لا بديل عنها للمحافظة علي وحدة الوطن ووحدة الشعب, وشرط ضروري لإنهاء كل صور النزاع الناجمة عن تجاهل الظاهرة او إنكارها, وكما نجحت المجتمعات الاخري في اوروبا وآسيا وامريكا اللاتينية وفي جنوب افريقيا في معالجة هذه الظاهرة ديموقراطيا, فإن الشعوب العربية وهي تسقط الآن النظم الاستبدادية واحدا وراء الآخر سوف تكون قادرة علي استيعاب المشاكل الناجمة عن التأخر في التعامل السليم مع ظاهرة التنوع الديني والعرقي, وسوف تتمكن وهي تبني نظمها الديمقراطيه بديلا عن الاستبداد من حل مشاكل الصراع العرقي والديني في إطار ديمقراطي.