الياس حرفوش


من آخر المتاجرين ببضاعة laquo;الربيع العربيraquo; هناك laquo;امير الملثمينraquo; او laquo;مستر مارلبوروraquo; مختار بلمختار، laquo;بطلraquo; المجزرة الأخيرة ضد العمال الأجانب في منشأة الغاز في الصحراء الجزائرية، ففي أحد الأشرطة التي وضعها على الإنترنت هذا القادم مؤخراً من عالم تهريب السلاح والدخان الى ساحة laquo;الجهادraquo;، يعلن عن تبني الثورات التي وقعت في كل من تونس ومصر وليبيا، ويحيّي الثائرين في laquo;سورية الجريحة قلب الشامraquo;، إضافة إلى تحريضه على الحكومة الجزائرية، حيث يعتبر حزب جبهة التحرير الحاكم laquo;حزب فرنسا في الجزائرraquo;.

وقبل بلمختار سارع كثيرون من مناصري أسامة بن لادن في ساحة العمل الإسلامي إلى اعتبار الثورات العربية نتاجاً طبيعياً لتحريض زعيم laquo;القاعدةraquo;، من كهوفه وملاجئه، على الأنظمة العربية، وهو ما أدى في رأي هؤلاء إلى انهيار المناعة التي كانت تتحصن خلفها تلك الأنظمة.

الآن جاء دور laquo;أمير الملثمينraquo; في استثمار هذه الثورات. بالنسبة إلى تونس، يرى أن laquo;ثورتها الخالدةraquo; laquo;أرجعت لنا الأمل في هذا البلد الذي تعرض لمسخ طوال عقودraquo;، أما مصر، فقد laquo;حرر ميدانها الأمة وكان ملهماً لشعوب الأمة الإسلامية جمعاءraquo;. وفي ليبيا، ينصح بلمختار القائمين على الثورة بالقول laquo;لا تستبدلوا دكتاتورية سقتكم الهوان بعنصرية تصادر ثمرة نجاحكمraquo;. أما سورية، فيعد ثوارها laquo;على رغم المسافاتraquo; بـ laquo;بذل كل جهد في نصرتكم والدفاع عن أعراضكمraquo;.

من سوء حظ الثورات العربية أنها باتت بضاعة مطروحة على الرصيف يتنطح كل عابر سبيل إلى أن يأخذ منها ما يشاء للمتاجرة به. ظننّا في البداية أن هدف هذه الانتفاضات التي قادها جيل الشباب هو الانتقال بالأنظمة العربية والشعوب من حال بائس إلى حال أفضل، وإتاحة فرص التقدم في مجالات العلم والاقتصاد والسياسة، مع إتاحة المجال للأصوات المختلفة في المجتمع للتعبير عن نفسها في مناخ من الحرية واحترام الرأي المخالف.

وعندما منحت صناديق الاقتراع التيارات الإسلامية فرصة الوصول إلى الحكم، كما أظهرت الانتخابات في تونس ومصر، وما قد تتجه إليه الأمور في ليبيا، بقينا نعتقد أن من حق هذه التيارات أن تُمنح فرصة لتبرهن عن أسلوب أدائها، ومدى احترامها لعملية التداول الديموقراطي للسلطة، قبل الحكم عليها سلباً أو إيجاباً.

ومع أن هناك فرقاً كبيراً بين بيان laquo;إنترنتيraquo; يصدر عن رجل هائم على وجهه في الصحراء مثل بلمختار، هذا الذي يدعي الإفتاء في شؤون الدين، وسياسات الأحزاب الحاكمة في البلدان التي اشرنا إليها، فإن سوق المزايدات الرائج في المجتمعات العربية، وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بالفتاوى الدينية، يجب أن يدفع إلى التنبيه إلى خطر الانزلاق إلى حافة التطرف عند التعرض لعملية التغيير السياسي القائمة الآن، فـ laquo;أمير الملثمينraquo; بلمختار، أو laquo;خالد أبو العباسraquo; كما يسمي نفسه، يوحي أنه يستعير ترحيبه بالثورة المصرية من فهمه لكتابات حسن البنا وسيد قطب، ويربط كل ذلك بتأييده لـ laquo;القدوة الصادقraquo; الشيخ أيمن الظواهري مرفقاً بـ laquo;تحية حب ووفاءraquo; للملا محمد عمر و laquo;الأنصار الطالبانraquo;. وأمام هذا الخلط العجيب بين أدبيات laquo;الإخوان المسلمينraquo; وأفكار تنظيمات متطرفة نبتت على أطراف العمل الإسلامي وشوّهته، كما فعلت laquo;طالبانraquo; و laquo;القاعدةraquo;، بات من الضروري أن تقوم الأحزاب الإسلامية، وخصوصاً منها الحاكمة حالياً في دول الربيعraquo; أو تلك التي تعد نفسها بالوصول، بإعلان براءتها من هذا التعدي الفاضح على أهداف الثورات وحقيقة رغبات الشعوب من ورائها.

أما الصمت بحجة أن هذا مجرد صوت على الإنترنت، فإنه يمكن أن يُحسب في باب التأييد أكثر مما يشكل إدانة لهذا التحريض. لقد أثبتت الحرب الدائرة الآن في مالي والتي يمكن أن تجر إليها أنظمة أخرى في منطقة الصحراء الكبرى، أن الانتصار الذي اعتقد الغرب أنه حققه على الإرهاب والتطرف، وخصوصاً بعد قتل أسامة بن لادن، كان انتصاراً ناقصاً في أحسن الأحوال، طالما أن فكر الإرهاب والتطرف موجود ومنتشر.

صحيح أن خطاب بلمختار أقل انتشاراً وتأثيراً، حتى الآن، من خطاب بن لادن، لكن يجب أن نتذكر أننا كنا نستغرب أن يكون هناك مصفقون لمقولات زعيم laquo;القاعدةraquo;، قبل أن نكتشف انه استطاع تمويل وتجنيد أكبر شبكة إرهابية في هذا العصر، استطاعت أن تقلق عدداً كبيراً من الدول الغربية ومن دول المنطقة على حد سواء.