محمد كريشان

في وقت يتطلع فيه التونسيون بشغف إلى ما سيكون عليه مردود لاعبي منتخبهم الــ 11 في نهائيات كأس افريقيا لكرة القدم في جوهنسبيرغ، خرج عليهم من حيث لا يحتسبون فريق آخر من 11 تونسيا ضمن كتيبة 'الموقعون بالدم' الذين قاموا مؤخرا بالهجوم على موقع إنتاج الغاز في عين أميناس جنوب شرقي الجزائر مع آخرين من الأجانب من مصر ومالي والنيجر وموريتانيا، وفق ما أعلنه رئيس الوزراء الجزائري عبد المالك سلال.
نزل هذا الخبرعلى عموم التونسيين نزول الصاعقة ليعمّـق حيرتهم وانشغالهم من نزوع أعداد متزايدة من أبنائهم نحو هذا الفكر الجهادي الذي حملهم في السابق إلى العراق وقبلها أفغانستان والآن سوريا ومالي . انشغل بالحدث كل الإعلام الوطني فيما لم يستوعب التونسي العادي كيف يمكن لمواطنه أن يذهب إلى هذه الأصقاع في قضايا يرون أن لا ناقة له فيها ولا جمل، بل وأن يقتل ويـُـقتل من أجلها. في البداية انشغل التونسيون بمن ذهب من شبابهم إلى سوريا للالتحاق بالمقاتلين المعارضين لنظام الأسد، وقد قدرت أعدادهم بزهاء الألف، عاد من بينهم من يروي مآسي وفظاعات عن ظروف وصولهم والشبكات التي تكفلت بالزج بهم في جحيم لا علاقة لهم به لا من قريب ولا من بعيد، حتى وإن كان التونسي كأي عربي آخر أو مسلم لا يمكن إلا أن يتعاطف مع مآسي السوريين ومحنة قتلهم وتشريدهم الجارية منذ زهاء العامين. حاليا إزدادت حيرة التونسيين بالوقوف على أن أعداد أبنائهم في تنظيم 'القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي' أعداد لا يستهان بها حتى وإن تعذر الحصول على أرقام دقيقة في هذا الشأن.


ما يزيد من خوف التونسيين وهواجسهم ما عرفته البلاد طوال الأشهر الماضية، في أكثر من مناسبة وفي أكثر من منطقة، من عثور على مخابىء أسلحة مختلفة، لا يهم إن كانت مخزّنـــة لتونس تحديدا أو عابرة فقط، ومن ملاحقات واشتباكات مع عناصر مسلحة قال وزير الداخلية التونسي بنفسه إنها تنتمي إلى تنظيم القاعدة. ومما جاء في بعض التقارير الصحافية كذلك أنه بات بالإمكان الحصول على رشاش كلاشينكوف من بعض مناطق الجنوب التونسي بما يوازي الخمسة عشر دولارا فقط بفعل ما عرفته مخازن سلاح القذافي من تسيب واستباحة!!
تراخي قبضة الدولة بعد سقوط حكم بن علي هو الذي شجع على حصول ما حصل رغم أن عهد بن علي نفسه لم يكن بمنأى عن تطورات من هذا القبيل رغم سياسته الأمنية القاسية. الإيجابي الآن أن السلطة في تونس لم يعد بمقدورها إخفاء الأمور عن رأيها العام الذي بات حرصه الشديد على حقه في الإعلام حافزا لجميع وسائل الإعلام نحـو مزيد البحث والتقصي.
الأمرّ مما سبق، وهذا هو التطور الأخطر، أن تونس الآن باتت تضم بين ظهرانيها من لا يجد حرجا بالمرة في إعلان توجهاته السلفية الجهادية بل وباتت له معاقل ومنابر في المساجد وغيرها يدعون من خلالها الشباب إلى 'الجهاد'، إن لم يكن في تونس ضد نظام لا يرضيهم، ففي أصقاع أخرى من العالم. وتشير بعض المصادر بالإسم إلى منظمات وجهات ترعى إرسال التونسيين إلى هذا الجهاد في سوريا وغيرها. هذا كله فضلا عن تنامي تديـّن متشدد في البلاد بشكل عام لا يمكن في النهاية إلا أن يمثل، بشكل أو لآخر، شئنا أم أبينا، أرضا خصبة وربما حاضنة شعبية لكل أنواع الغلو والجنوح إلى العنف بجميع أشكاله ضد كل 'الكفار' في الداخل والخارج.
قد لا يكون الوضع السياسي المقلق والهش في تونس يسمح بأي تهويل إضافي لهذه المسائل، التي قد تريد بعض الجهات لحسابات مختلفة النفخ في نارها أكثر فأكثر، ولكن في المقابل أي استسهال أو تهوين يقود إلى تهاون ستدفع البلاد كلها ثمنا باهظا له إلى أبعد الحدود، الآن وفي المستقبل.