عبدالله إسكندر

ليس جميع الذين نزلوا الى شوارع المدن التونسية من أنصار المعارض اليساري شكري بلعيد. وبين هؤلاء المتظاهرين كثر من الذين اقترعوا لمرشحي حركة النهضة الاسلامية. لقد نزل هؤلاء الى الشارع بعد اغتيال بلعيد، ولمناسبة تشييع جثمانه، ليعلنوا معارضتهم للتوجه الذي تتخذه البلاد نحو اعادة انتاج النظام السابق، سواء لجهة الهيمنة على الحياة السياسية أو التعامل مع المعارضين.

بالتأكيد لم تتخذ قيادة laquo;النهضةraquo; قراراً مركزياً بتصفية بلعيد. لكن اسم هذا المعارض لمفهوم الدولة التي تسعى الحركة الاسلامية الى ترسيخها ورد في لائحة تصفيات على لسان جماعة اسلامية اخرى.

والرابط بين سياسة laquo;النهضةraquo; وبين لائحة التصفيات يمكن ان نجده في سلوك قيادة هذه الحركة.

لقد شرّعت الحركة ما أطلق عليه اسم laquo;لجان حماية الثورةraquo; التي أجيز لها التعرض لكل صوت معارض لـ laquo;النهضةraquo;، خصوصاً الاعلاميين، بذرائع وحجج كثيرة. لقد حاصر أعضاء هذه اللجان التي هي في الواقع ميليشيا تابعة لـraquo;النهضةraquo; مقرات مواقع ومقرات حكومية مطالبين بتصفية ما اعتبروه معارضين.

وذهبت laquo;النهضةraquo;، وقيادتها، الى حد إدراج هذه اللجان في نص دستوري، بما يحول هذه الميليشيا الى laquo;حرس ثوريraquo; ليتحول قوة ضاربة في أيدي الحركة الاسلامية في وجه خصومها.

في موازاة هذا التوجه، لم تتردد laquo;النهضةraquo;، خصوصاً زعيمها راشد الغنوشي، في مغازلة التيارات السلفية، بتوجهاتها المختلفة. ويشار هنا الى ذلك التسجيل الشهير للغنوشي وهو يتحدث الى كوادر من السلفية. اذ شكا من انه لا يزال في تونس كثير من العلمانيين الذين يسيطرون على الصحافة والاعلام ومفاصل مهمة في الدولة.

وبذلك يتزاوج التحريض على المعارضين مع التساهل الشديد مع ذوي الاتجاهات العنفية، لتنشأ تلك laquo;البيئة الحاضنةraquo; للعنف الذي تعانيه تونس منذ انهيار النظام السابق وخلال تولي laquo;النهضةraquo; تسيير الحكومة الانتقالية، وصولاً الى الاغتيال السياسي الذي يسجل للمرة الاولى في التاريخ الاستقلالي للبلاد.

laquo;النهضةraquo; لا تتحمل المسؤولية الجنائية والقانونية عن هذا الاغتيال، لكنها تتحمل المسؤولية السياسية عن اجواء التحريض وتشكيل ميليشيات والتساهل مع الممارسات العنفية وتغطية الممارسات غير القانونية.

ويبدو ان الحركة لم تلتقط معنى ان يجري اغتيال معارض بالرصاص في وضح النهار، في الوقت الذي تعيش البلاد أزمة سياسية هي الاعمق منذ قيام النظام الجديد. فهي في اشتباك مع حلفائها في الحكومة، ومع موقعي رئاسة الجمهورية وورئاسة المجلس التأسيسي. وهي في اشتباك مع المعارضة المدنية بكل تشكيلاتها، ومع الاتحاد العام للشغل. اي انها في اشتباك مع كل مكونات المجتمع التونسي الذي خرج للتنديد بسياستها في الايام الماضية.

وهي بدلاً من السعي الى التقارب مع المجتمع المدني، بكل أطيافه، تتمسك بما تعتبره مكسبها الانتخابي، مستندة الى ميليشياتها في المقام الاول والتي دفعتها الى الشارع يوم امس للرد على تظاهرات التنديد باغتيال بلعيد. وعبّرت عن هذا التمسك برفض فكرة أمينها العام ورئيس الحكومة حمادي الجبالي بالتوجه الى حكومة تكنوقراط تعد لانتخابات سريعة تنهي المرحلة الانتقالية.

وبغض النظر عن صلاحية مثل هذه الحكومة في معالجة الازمات السياسية والاقتصادية والحياتية، أو تشكيل حكومة ائتلاف وطني تجمع الاطياف السياسية كافة تتحمل مجتمعة مسؤولية عبور المرحلة الانتقالية، فان منطق laquo;النهضةraquo; قائم على استئثار العمل الحكومي عبر حكومة احزاب، تتولاها بنفسها. ما يكشف عدم قدرتها على مراجعة تجربتها الفاشلة حتى الآن، واصرارها على تنمية تلك laquo;البيئة الحاضنةraquo; للعنف.